خريجو الجامعات في اليمن بلا وظائف رسمية منذ سنوات (أحمد الباشا/ وكالة فرانس برس)
وعلى الرغم من توقف التوظيف في الخدمة المدنية منذ سنوات عديدة، إلا أن الوظيفة الحكومية تظل حلم الكثير من الشباب في اليمن لأنها توفر فوائد أكبر من القطاع الخاص. ولا يوجد حاليا أي عمل في إدارات الحكومتين
كان الشاب اليمني عزيز مهيوب يائساً للحصول على وظيفة حكومية بعد سنوات من تخرجه من الجامعة، في ظل توقف التوظيف الرسمي بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد منذ عام 2014.
وقال مهيوب لـ”العربي الجديد”: “تخرجت من كلية التجارة بجامعة صنعاء قسم المحاسبة عام 2004، وفي السنوات التالية قدمت طلبات سنوية لوظيفة في وزارة الخدمة المدنية، دون تسفر عن أي شيء. وبعد أحداث 2011، دخلت البلاد في حالة من الفوضى، وكان آخر توظيف رسمي في 2012، وكان يضم في وقت واحد 60 ألف خريج، أغلبهم من المعاهد الفنية والفنية والإدارية. وهذا ما خيب أملي، خاصة وأن التسجيل في الوزارة توقف أيضاً.
ويضيف: “أنا محظوظ لأنني خريج محاسبة، فالعمل متاح في القطاع الخاص بخلاف التخصصات الأخرى. أنا شخصياً عملت منذ تخرجي في القطاع الخاص، فيما فقدت الأمل على مر السنين في الحصول على وظيفة حكومية، وهي أيضاً لم تعد شرطاً للخريجين نتيجة انخفاض الرواتب التي توفرها”. وتبلغ في المتوسط 60 ألف ريال، أي حوالي 60 دولاراً في مناطق سيطرة الحوثيين، و31.5 دولاراً في مناطق الحكومة الشرعية.
إنشراح عبد الجبار، خريجة جامعية، قالت لـ”العربي الجديد”: “تخرجت من كلية التربية بجامعة تعز عام 2003، ومازلت بدون عمل رغم تسجيلي في وزارة الخدمة المدنية . أما النظام المطبق في اليمن فلا يتم إعطاء الوظيفة حسب المؤهل العلمي”. ولا على الشهادة الجامعية، فالمعياران الحاسمان هما الوساطة والمحسوبية”. وتضيف: “صحيح أن وزارة الخدمة المدنية لم تعلن عن وظائف منذ أكثر من عشر سنوات، لكن تم تعيين أشخاص رغم أنهم حديثي التخرج لأن لهم اتصالات وعلاقات مع المسؤولين. ومنهم من شغل مناصب نواب وزراء ومدراء دون أن يكونوا ضمن الهيكل الوظيفي للدولة.
محمد الجبالي، خريج هندسة الاتصالات، قال لـ”العربي الجديد”: “تخرجت عام 2011، ولم أحصل حتى الآن على وظيفة حكومية، وهي تعتبر متطلباً لأي شاب لأنها توفر الكثير من الامتيازات الجيدة . ورغم أن الراتب منخفض بشكل عام، إلا أنه مثل التأمين على الحياة، ويحمي… الإنسان له كرامة، على عكس وظائف القطاع الخاص، ويقول المثل الشعبي: “شبر مع الدولة، وليس ذراع مع القبيلة.” ويضيف: “الوظيفة الحكومية أيضاً تمنح الشاب مكانة اجتماعية نتيجة نظرة المجتمع إليها، فمثلاً عندما يتقدم شاب يعمل في وظيفة حكومية للزواج، لا يمكن رفضه لأن المجتمع يعتبره قادراً على تحمل المسؤولية”. نتيجة وجود مصدر دخل ثابت له ولأسرته.”
ويرتبط توقف التوظيف الحكومي بالظروف الاقتصادية التي يعيشها اليمن بسبب الحرب، وعدم تخصيص الموازنات لها، ما جعل وزارة الخدمة المدنية تحتفظ بالموظفين السابقين، ومنهم من بلغ سن التقاعد (60 عاماً) للرجال، 55 سنة للنساء، أو قضى 35 سنة في وظيفة عامة). .
بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 149 الصادر عام 2007 بشأن نظام التعيين في الوظائف العامة، يشترط أن تكون الدرجة الوظيفية متوفرة في الموازنة المعتمدة لوحدة الخدمة العامة، وأن يكون التعيين في وظيفة شاغرة أن تتم الموافقة عليها في موازنة وحدة الخدمة العامة أو الوحدة الإدارية، ولم يتم استيفاء هذه الشروط منذ بداية الحرب في البلاد التي اندلعت عام 2015، حيث لم يتم اعتماد أي موازنة عامة للدولة بشكل رسمي خلال سنوات الحرب ك نتيجة لشح الإيرادات المالية والصعوبات التي تواجهها الدولة في توفير الرواتب.
وتعاني الحكومة المعترف بها دوليا من شح الموارد في ظل توقف صادرات النفط، واعتمادها على المساعدات التي تقدمها السعودية لتوفير الرواتب. هذا ما أوضحه رئيس المجلس القيادي الرئاسي رشاد العليمي خلال زيارته الأخيرة لتعز نهاية أغسطس الماضي.
ويزداد الوضع سوءاً بالنسبة لحكومة الحوثيين، التي لم تدفع رواتب الموظفين الرسميين منذ سبتمبر/أيلول 2018، على الرغم من أن حكومة الحوثيين تجني الكثير من الإيرادات من خلال الضرائب والجمارك وميناء الحديدة ومصادر أخرى. وتتهم من تسميها بـ”العدوان” بالوقوف وراء عدم صرف الرواتب.
ورغم ذلك فإن وزارتي الخدمة المدنية في الحكومتين (المعترف بها دوليا وحكومة الحوثيين) تدعوان خريجي الجامعات لتقديم ملفاتهم إلى الوزارة من أجل الحصول على الوظائف الحكومية.
أعلنت وزارة الخدمة المدنية والتنمية الإدارية التابعة لجماعة الحوثيين، عن فتح باب التقديم للوظائف الحكومية، بشرط أن يكون المتقدم قد شغل الوظيفة المعلنة، وألا يكون موظفاً في أي قطاع حكومي أو خاص، ولم يسبق له الالتحاق بأي وظيفة عامة قبل تركها، – ألا يكون قد سبق فصله بقرار تأديبي إذا لم يفعل ذلك. ويجب أن تمر خمس سنوات على فصله، وألا يكون قد سبق له ترك الوظيفة أكثر من مرتين، وأن يكون من خريجي المعاهد.
وفي مايو الماضي، أعلن ديوان الخدمة المدنية والتأمينات بمحافظة مأرب، عن فتح باب التسجيل للمتقدمين للوظائف، للخريجين حتى عام 2020، وأشار إلى أن تقديم طلبات التوظيف يكون لغرض التسجيل فقط.
وأشار ديوان الخدمة المدنية إلى عدم وجود ميزانية حالية للوظائف، وأن تقديم الطلبات يكون لتسجيل البيانات في مركز المعلومات التابع له.
ويوضح فاضل الشيباني مدير ديوان الخدمة المدنية بتعز، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن عملية تجديد القيد مستمرة، لخريجي الجامعات الذين يأملون في الحصول على وظائف عند توفرها، رغم أنهم تجميدها منذ انقلاب الحوثي والحرب في البلاد، لكن هناك وعود بإحالة المتقاعدين “والمتوفى يخلق فرص عمل جديدة.”
يشتكي خريجون جامعيون في اليمن من قيام وزارة الخدمة المدنية بتخصيص وظائف خارج الأطر القانونية ووفق معايير المحسوبية والوساطة التي تطبقها الجهة مباشرة دون الرجوع إلى الخدمة المدنية إلا لاستكمال إجراءات التوظيف.
وعلق المحامي أحمد البحيري، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “هناك حالة من السخافة والمخالفات القانونية لقرار مجلس الوزراء رقم 149 الصادر عام 2007 بشأن نظام التعيين في الوظائف العامة. ويتم التوظيف خارج الإطار القانوني وفق المحسوبية والوساطة، بما في ذلك التعيين في المناصب”. وكيل الوزارة والمدير العام وآخرون.
ويضيف: “نشرت وزارة الخدمة المدنية إعلانات توظيف لحفظ ماء الوجه فقط، لأن ذلك يحدث خارج إطار أنظمتها وقوانينها. تم توظيف الناس ببساطة لأنهم تخرجوا من الجامعة، والبعض الآخر حصلوا على شهادة الدراسة الثانوية فقط. ومن ناحية أخرى، هناك أشخاص مسجلون في الخدمة المدنية منذ أكثر من 20 عاماً، ولم تتوفر لهم وظائف”.
وأظهرت الإحصاءات الرسمية أن عدد العاملين في القطاعين العام المدني والعسكري في اليمن ارتفع من 436,351 موظفاً عام 2000 إلى أكثر من 1,200,000 موظفاً نهاية عام 2013، موزعين على 1,450 دائرة ومؤسسة حكومية.