وتضغط إدارة بايدن على الأصدقاء والأعداء لمنع تحول التوترات إلى حرب بين إسرائيل وحزب الله، وربما إلى حرب إقليمية. هل ستؤتي الجهود الأميركية بين لبنان وإسرائيل ثمارها في ظل غياب اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة؟ ما هي بدائل واشنطن إذا فشلت جهودها؟
وقد ناقش هذا الموضوع الخبيران الأمريكيان حسين إيبش وديفيد داود في برنامج “عاصمة القرار” على قناة الحرة. إبيش هو باحث كبير في “معهد دول الخليج العربية” في واشنطن. داود هو باحث أول في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”.
كما كانت هناك مداخلة من طرابلس للنائب اللبناني السابق مصطفى علوش. كما حضر جانب من الحوار مندي الصفدي عضو حزب الليكود الإسرائيلي من تل أبيب.
واشنطن تحذر الصديق والعدو!
استقبلت الإدارة الأميركية هذا الأسبوع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالترحيب والتحذير من “حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله، يمكن أن تتحول بسهولة إلى حرب إقليمية ذات عواقب وخيمة على الشرق الأوسط”، على حد تعبير وزارة الدفاع الأميركية. السكرتير لويد أوستن.
وفي المقابل، أبلغت واشنطن حزب الله وإيران بشكل غير مباشر بأنها لن تمنع إسرائيل من مهاجمة لبنان. وأن “قرار خوض الحرب مع حزب الله هو في يد إسرائيل وحدها”، كما قال مسؤولون أميركيون لمجلة بوليتيكو. لأن واشنطن تعلم أن «استفزازات حزب الله تهدد بجر الشعبين الإسرائيلي واللبناني إلى حرب لا يريدانها. مثل هذه الحرب ستكون كارثة على لبنان والشعب اللبناني”، كما قال لويد أوستن، وزير الدفاع الأميركي.
وعشية وصول وزير الدفاع الإسرائيلي إلى واشنطن، قال البنتاغون كلمته الأولى لإسرائيل، عبر الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان المشتركة، الذي قال في تصريح إعلامي نادر: “من غير المرجح أن تقوم الولايات المتحدة ستكون قادرة على مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها في الحرب”. كما ساعدنا إسرائيل على مواجهة وابل من الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية في أبريل الماضي، لأنه من الصعب صد الصواريخ قصيرة المدى التي يطلقها حزب الله بشكل روتيني عبر الحدود إلى إسرائيل.
وأضاف المسؤول العسكري الأميركي الأعلى رتبة: “إيران ستدعم حزب الله إلى حد أكبر مما تفعل مع مقاتلي حماس في غزة، خاصة إذا شعرت طهران أن الحزب يتعرض لتهديد كبير”.
الخيار الأصعب أمام بايدن!
لكن هل يعني ذلك أن الولايات المتحدة لن تدعم إسرائيل إذا اتسعت مواجهتها مع ذراع إيران في لبنان؟ وتقول افتتاحية صحيفة “وول ستريت جورنال” إن بيان الجنرال براون هو “ضوء أحمر لإسرائيل وضوء أخضر لحزب الله. وهو يوفر لحزب الله ذريعة لمواصلة إطلاق الصواريخ على إسرائيل، لأن الرئيس بايدن سيحميها من العواقب”. وتضيف الصحيفة أن “تركيز إدارة بايدن على كبح جماح إسرائيل وتقييدها يجعل الحرب مع حزب الله أكثر احتمالا. لأن إسرائيل لا يمكن أن تقبل البقاء تحت رحمة إيران وعميلها في لبنان”.
ويضيف هال براندز في بلومبرج أن بايدن يواجه خيارًا صعبًا لتجنب الحرب الإسرائيلية المقبلة. “إن أفضل طريقة لمنع الحرب بين إسرائيل وحزب الله هي أن يثبت الرئيس بايدن أنه سيدعم إسرائيل بشكل كامل. وأن تبلغ الولايات المتحدة إيران وحزب الله أن تصعيد معركتهما مع إسرائيل سيؤدي إلى رد مدمر”.
ولا يتوقع دافيد داود «التوصل إلى تسوية دبلوماسية قبل أن تتوقف الحرب في غزة، وبالتأكيد ليس قبل وقف إطلاق النار. حزب الله ملتزم بمواصلة القتال، وهو ما يضعه في موقف سيكون من الصعب التراجع عنه”. ويشكك ديفيد داود في فرص نجاح الحلول الدبلوماسية، لأن «الاقتراحات الأميركية والفرنسية لا تتناول عداء حزب الله لإسرائيل. إن النزاع الحدودي القائم بين إسرائيل ولبنان حول الأراضي يمكن حله. لكن عداء حزب الله سوف يستمر. وسيواصل حزب الله تسليح نفسه والاستعداد للصراع الذي يريده مع إسرائيل في المستقبل”.
من جانبه يقول حسين إيبش: “من الخطأ ربط كلام حزب الله بما يفعله على الأرض. فإذا قبل هذا الحزب اقتراح آموس هوكشتاين وسحب سلاحه الثقيل بضعة كيلومترات من الحدود مع إسرائيل، فكيف سيفسر استمرار وجوده كميليشيا مسلحة تدعي تحرير مزارع شبعا؟ وبالتالي فإن إبعاد حزب الله عن الحدود سيجعله يفقد منطق المقاومة الذي يروج له. ولذلك أستبعد نجاح التسوية الدبلوماسية. ورغم ذلك، من الممكن التوصل إلى حل دبلوماسي، ولكن بشكل غير رسمي، حيث ينسحب حزب الله، أو يسحب ما يكفي من قواته وأسلحته الثقيلة من الجنوب. وإذا انتهت الحرب في غزة، فقد تقرر إسرائيل أنها لا تريد الحرب، ولا أعتقد أن حزب الله يريد الحرب”.
هذه المسألة، برأي داوود داود، تتوقف على «متغيرات كثيرة في المجتمع الإسرائيلي، والتي للمرة الأولى في تاريخ الصراع بين إسرائيل وحزب الله، هناك قبول من قبل الإسرائيليين بدفع ثمن إزالة تهديد حزب الله. أستبعد مسألة إخراج حزب الله من الحدود مؤقتا. المشكلة هي أن «آليات التنفيذ ضمن الصفقات الدبلوماسية لا يمكن الوثوق بها، كالاعتماد على الدولة اللبنانية مثلاً».
ثلاثة سيناريوهات لتطور الصراع!
ويرى حسين إيباش أن هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الصراع بين إسرائيل وحزب الله. السيناريو الأول يتلخص في أن المستوى الحالي من العنف سوف يستمر، ثم ينحدر عندما تنتهي الحرب في غزة، وبالتالي فإن حزب الله سوف يظهر دعمه لحماس والفلسطينيين على نحو محدود فقط. لكن قدرة إسرائيل أو إرادتها على التسامح مع ذلك بدأت تتآكل.
السيناريو الثاني هو استمرار الوضع الحالي، مع إمكانية استهداف إسرائيل لحزب الله، من أجل تحقيق بعض التفوق أو التقدم، وتحويل النكسة في غزة إلى ميزة. السيناريو الثالث هو هجوم إسرائيلي شامل على لبنان، وهو الأقل احتمالا، لأن إدارة الرئيس بايدن كانت واضحة في أنها لا تدعم حربا واسعة النطاق. كما أن إسرائيل لا تزال عالقة في غزة، تواجه تمردا هناك، ولا تحتاج إلى حرب أخرى. السيناريو الأول أو الثاني هو الأكثر احتمالا.
يتفق ديفيد داود مع تحليل حسين إيباش، مضيفاً أن صبر إسرائيل على الهجمات المستمرة التي يشنها حزب الله منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي محدود. ولكن هناك درجة من الاستعداد لدى الجانبين للانخراط في التهديدات اللفظية، ولكن ليس في العنف الكامل، وخاصة من جانب حزب الله، الذي على الرغم من خطابه الشديد التهديد، لا يملك القدرة على إدارة صراع كامل مع إسرائيل في الوقت الحاضر. ولكن هناك احتمالات سوء التقدير لدى الجانبين. وهذا الاحتمال قائم دائماً. وهناك احتمال أن ينفد صبر إسرائيل وأن يتوسع هذا الصراع إلى حرب.
وعن إمكانية التوصل إلى تسوية دبلوماسية بين إسرائيل وحزب الله، يقول النائب اللبناني السابق مصطفى علوش: “ما سيوقف التصعيد دون تسوية هو وقف حرب غزة، وليس ذلك لأن حزب الله يريد الدفاع عن غزة أو حماية الفلسطينيين، لكن إذا لم يفعل هذا الحزب شيئاً على الحدود، فإنه سيفقد سبب وجوده، وستخسر إيران أيضاً الدعاية التي تمارسها منذ عقود بأنها المدافع الوحيد عن فلسطين. وأتوقع أن يستمر الوضع الراهن، لأن لا أحد من أطراف التصعيد يريد حرباً واسعة النطاق”.
وحول نوع التسوية التي ستقبل بها إسرائيل لوقف التصعيد، يرى مندي الصفدي عضو مركز حزب الليكود أن “هدف إسرائيل الوحيد هو منع وقوع حدث 7 أكتوبر آخر في أي منطقة، أو على أي دولة”. حدود. ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن نافذتها الدبلوماسية محدودة ولن تدوم طويلا. وأضاف: “لدى إسرائيل خطوط حمراء، أهمها عدم القبول بوجود قوة إرهابية مسلحة على حدودها الشمالية. إن ما تطلبه إسرائيل للتسوية هو، على أقل تقدير، انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني ونزع سلاحه بالكامل. أولوية إسرائيل هي أمن مواطنيها”.
الهجوم الإيراني على إسرائيل!
يقول السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إن القضاء على حماس بدعم من الولايات المتحدة من شأنه أن يبعث برسالة قوية إلى إيران وحزب الله. ويضيف أنه من المهم للغاية أن نوضح للعالم أجمع أن “إذا صعد حزب الله هجماته وهاجم إسرائيل، فإن هدف الرد الإسرائيلي لن يكون بيروت فحسب، بل وطهران أيضاً”. وتعهد السيناتور الجمهوري البارز بتقديم “مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ قريباً لتصنيف أي هجوم كبير من جانب حزب الله على إسرائيل باعتباره هجوماً من جانب إيران على إسرائيل”.
ولأن إسرائيل هي الشريك الاستراتيجي الأهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولأنها “تقف اليوم في خضم حرب وجودية ضد إيران والجماعتين الإرهابيتين المدعومتين من إيران حماس وحزب الله”، كما يقول النائب الديمقراطي جريج لاندسمان. ولأن “الدولة اليهودية لا تزال تواجه تهديدات من إرهابيي حماس وحزب الله، فضلاً عن النظام الإيراني وعملائه، فإن الولايات المتحدة لابد أن تقف بحزم في دعم إسرائيل”، حسب رأي السيناتور الجمهوري ماركو روبيو.
من ناحية أخرى، يقول النائب الديمقراطي جريج كاسار: “يتعين على حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة أن تستمع إلى الولايات المتحدة. فهي تعلم أننا نريد السلام في المنطقة وليس الحرب التصعيدية”.
وتلوم الكاتبة الأميركية تريتا بارسي المسؤولين الأميركيين الذين “لا يملكون الشجاعة لانتقاد المسؤولين الإسرائيليين علناً. فهم يعربون خلف الكواليس عن استيائهم من حقيقة أن إسرائيل تجر الشرق الأوسط بأكمله والولايات المتحدة إلى حرب إقليمية”.
ولا يتوقع حسين إيبش وديفيد داود وقوع حرب إسرائيلية إيرانية في أي وقت قريب، لأن “كلا البلدين يريد احتواء الصراع، وليس توسيعه”، وهذه هي رغبة أميركا أيضا.
ضربة استباقية على لبنان!
ويعتقد جون بولتون أن “إسرائيل لديها مبرر لتوجيه ضربة استباقية لحزب الله، لأن تهديده بمهاجمة إسرائيل قديم. فالمنظمة لديها مخزون ضخم من الصواريخ التي تراكمها منذ سنوات. إن قدرة حزب الله على التغلب على القبة الحديدية الإسرائيلية وغيرها من الدفاعات الصاروخية تشكل تهديدا كبيرا” لإسرائيل، بحسب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق.
وعلى الصعيد العسكري يقول الخبير الاستراتيجي الأميركي جون سبنسر: «حزب الله لديه أنفاق تمتد مئات الكيلومترات في الطول، وهي مختلفة تماماً عن أنفاق حماس، فقد تم تجهيزها على مدى ثلاثين عاماً، ولهذا السبب يطلق على جنوب لبنان اسم أرض الأنفاق».
ويخشى الباحث الأميركي هال براندز أن “الحرب على الجبهة الشمالية ستكون ضارة للغاية بإسرائيل، نظراً لقدرات حزب الله الكبيرة. ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى تأجيج العنف في الضفة الغربية. والحرب مع حزب الله يمكن أن تشعل حرباً مع إيران”.
العودة إلى اليوم التالي!
وقال جاك لو السفير الأميركي لدى إسرائيل: “من الناحية الاستراتيجية، فإن اتفاق الرهائن ووقف إطلاق النار سيفتح الباب أمام مناقشة مع حزب الله ولبنان حول تجنب الحرب، وسيفتح الباب لإنهاء مناقشات التطبيع مع المملكة العربية السعودية. والتحدي الآن هو أنه يتعين علينا إنهاء الحرب في غزة بطريقة تكسب المستقبل استراتيجيا. لن ينجح أي من هذا إذا لم تكن هناك استراتيجية لليوم التالي لكيفية حكم غزة”.
هل الحرب بين إسرائيل وحزب الله حتمية؟ هل انتهت فرصة التسوية السياسية بين الطرفين؟ ويرى الكاتب الأميركي اللبناني فراس مقصد أن «المشهد يبدو كما لو أن زمن التسوية السياسية قد فات، وأن تلك الحرب قادمة لا محالة. ولذلك فإن إدارة بايدن تواجه تحديا كبيرا في الأيام المقبلة لتجنب حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله، أو الحد من عواقبها، خاصة في ظل تهديدات إيران بالانضمام إلى حزب الله.
وتعتقد واشنطن أن الحل الدبلوماسي ممكن، وهو في مصلحة جميع الأطراف المعنية، ولذلك ستواصل إدارة بايدن العمل على التوصل إلى تسوية سلمية تمنع توسع هذا الصراع.