نشرت الصحف الإسرائيلية العديد من المقالات التحليلية ومقالات الرأي التي تناولت أبعاد هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل وكيف سيغير ذلك سياسات الدولة داخليا وخارجيا. نحن ندرج بعض منهم بالنسبة لك.
نبدأ جولتنا بصفحة الرأي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ومقال للرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي جيورا آيلاند بعنوان “حان الوقت لاقتلاع حماس”. ويقول الكاتب إن إسرائيل لا يمكن أن تكتفي بأي هدف سوى القضاء على حركة حماس العسكرية الحاكمة في قطاع غزة، وتحقيق أي شيء أقل من ذلك سيكون بمثابة فشل إسرائيلي.
ويقول الكاتب إن إسرائيل امتنعت طوال العشرين عاما الماضية عن إضفاء الطابع الرسمي على هذا الهدف، والآن، بعد هذه الحرب، من الضروري أن تحدد الحكومة الإسرائيلية استراتيجياتها وتفهم جميع الخيارات.
ويرى آيلاند أن أحد الخيارات الممكنة للقضاء على حماس هو إطلاق عملية برية ضخمة ومعقدة، بغض النظر عن المدة والتكلفة، في حين أن الخيار الثاني هو خلق الظروف التي تجعل الحياة في القطاع مستحيلة.
ورغم أن إسرائيل أوقفت إمدادات الكهرباء والوقود والمياه إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى إغلاق المعابر الحدودية، إلا أن الكاتب يرى أنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الإجراءات كافية.
وحذرت إسرائيل مصر بلهجة قوية وأوضحت أنها لن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة من مصر.
ويقول الكاتب إنه يتعين على إسرائيل الآن خلق أزمة إنسانية في غزة، مما سيجبر عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف على اللجوء إلى مصر أو الخليج.
ولكي يحدث ذلك، يعتقد آيلاند، أنه يجب على إسرائيل أن تصر بقوة على أربع نقاط:
أولاً، تهجير جميع سكان غزة إلى مصر أو إلى الخليج. ومن وجهة نظر الكاتب فإن كل مبنى في غزة يوجد تحته مقر قيادة لحركة حماس، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، يعتبر هدفا عسكريا.
ثانياً، تعتبر كل مركبة في القطاع بمثابة آلية عسكرية لنقل المقاتلين. لذلك، يجب ألا تكون هناك حركة مرور، ولا يهم ما إذا كانت المركبات تنقل المياه أو الإمدادات الحيوية الأخرى.
ثالثا، يجب على موظفي الصليب الأحمر زيارة الرهائن الإسرائيليين، وخاصة المدنيين، كشرط إسرائيلي للحصول على المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، وحتى ذلك الحين لن يسمح بدخول أي نوع من المساعدات إلى غزة.
رابعاً، يتعين على الوسطاء ذوي الخبرة الدبلوماسية والعسكرية أن يشرحوا بالتفصيل النقاط الثلاث السابقة للعالم أجمع. ولن يكون من الممكن اجتثاث حماس من دون ممارسة الضغط.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول إن إسرائيل تخوض “حربا وجودية”، وأنه لا يوجد خيار آخر لضمان أمن دولة إسرائيل سوى هذه الخيارات.
“حماس دمرت استراتيجية إسرائيل الخاطئة”
وننتقل إلى صحيفة “جيروزاليم بوست” وإلى مقال رأي كتبه ديفيد واينبرغ بعنوان “المجازر المروعة التي ارتكبتها حماس سحقت استراتيجية إسرائيل الخاطئة التي طال أمدها”. ويشير الكاتب إلى أن هجوم حماس المفاجئ في عيد “فرح التوراة” لم “يحطم” حياة الإسرائيليين فحسب، بل أزال الأوهام الكاذبة التي عششت في أذهانهم لسنوات طويلة.
ويقول الكاتب إن السياسات الدفاعية والدبلوماسية التي تنتهجها إسرائيل لن تبقى كما هي، إذ ستحل محل هذه السياسات السيئة والكاذبة أخرى تؤكد على حقهم في الحياة.
ويرى الكاتب أن “مجازر” حماس ضد المدنيين الإسرائيليين حطمت بعض المعتقدات السائدة، بما في ذلك إمكانية احتواء الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجيوشها في الخارج، ممثلة بحماس وحزب الله. والحقيقة هي أنه يجب سحقهم و”تحرير” الفلسطينيين واللبنانيين من براثن هذه “المنظمات الإرهابية”.
ويضيف الكاتب أن النظرية القائلة بأن حماس، بمسؤوليتها عن مليوني سكان غزة، ستصبح أكثر “مسؤولية” أو “اعتدالا” أو “نضجا” هي نظرية خاطئة. إن الملايين أو حتى المليارات من دولارات التنمية الاقتصادية التي أنفقها العالم على الفلسطينيين في غزة لم تؤدي إلا إلى تعزيزها، لذا يجب قطع كافة سبل تمويلها.
ويواصل بالقول إن إسرائيل تعتقد أنها تستطيع “تقليل الصراع” أو “تثبيط العنف” من خلال منح عشرات الآلاف من تصاريح العمل في إسرائيل لسكان القطاع، أو تسهيل نقل عشرات الآلاف من الأطنان من السلع المدنية والإنسانية لغزة، هذا خطأ.
ويرى الكاتب أنه يجب على إسرائيل إنهاء أي مسئولية تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة حتى يتم القضاء على حماس.
ووفقاً لديفيد واينبرغ، فإن حماس قد تجعل إسرائيل غير قادرة على التسامح وإقامة علاقات دبلوماسية مع دول مثل تركيا وقطر، من خلال استضافة قادة حماس “برفاهية وأمان”. ولذلك يقترح الكاتب على إسرائيل تجميد علاقاتها مع هذه الدول، «وعلى الولايات المتحدة ألا تدعمها أو تقيم علاقات اقتصادية معها».
يرى ديفيد واينبرغ أن فكرة أن الصراع الفلسطيني مع إسرائيل يتمحور حول “المستوطنات غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة” هي فكرة خاطئة. يدور الصراع حول كل “مستوطنة” يهودية في إسرائيل. ولذلك، بحسب الكاتب، فقد حان الوقت للتخلص من الشائعة الكاذبة التي تقول إن المستوطنات في الضفة الغربية هي عائق أمام السلام.
ويرى الكاتب أن حماس قدمت درسا قويا لقوات الدفاع الإسرائيلية، التي اعتمدت دائما على التكنولوجيا لضمان أمن الحدود -من خلال استخدام أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار وغيرها- لذلك يرى ديفيد واينبرغ أنه يجب على إسرائيل تعزيز قواتها البرية في المرحلة القادمة.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول إن حماس لم تستطع تدمير الأمل في تحقيق سلام واسع النطاق في الشرق الأوسط بين إسرائيل وأهم الدول العربية، وأن زوالها سيجعل السلام ممكنا وجديرا بالاهتمام. كما أنه لا يمكن أن يؤثر على تصميم إسرائيل على حماية مواطنيها، ولا على الجالية اليهودية في جميع أنحاء العالم، التي احتشدت هذا الأسبوع لدعم إسرائيل، على الرغم من خلافاتها مع التيار الرئيسي في إسرائيل حول الهوية والقضايا السياسية.
“المشروع الإيراني لتدمير إسرائيل”
ونبقى في صحيفة “جيروزاليم بوست” ومقال رأي كتبه جوناثان سباير بعنوان “7 أكتوبر والحرب في الشرق الأوسط”. ويقول الكاتب إن هجوم حماس المفاجئ وحالة الحرب الناجمة عنه يذكراننا بأمرين مهمين. الأول هو المشروع الإيراني الهادف إلى «تدمير» إسرائيل، عبر شن حرب طويلة الأمد تخوضها الجماعات الموالية لطهران في المنطقة.
أما القضية الثانية فهي شعبية الحركات الإسلامية المعارضة للسياسات الغربية، وما يترتب على ذلك من استمرار قوة وهيمنة الحركات السياسية الإسلامية ذات العسكرة في العالم العربي.
ويرى الكاتب أن نقطة الالتقاء بين الأمرين هي التي جعلت هجوم حماس ممكنا.
ويشرح الكاتب بالتفصيل لفهم طبيعة العلاقة بين الأمرين، ويقول أولاً إن الدور الدقيق الذي لعبته إيران في الهجوم المفاجئ لا يزال موضع خلاف، وأن الخلاف تحديداً يكمن في مدى مشاركة إيران. أو عدم المشاركة في اتخاذ القرارات التكتيكية يوم الهجوم وفي الفترة التي سبقته مباشرة. ما لا جدال فيه هو أن القدرة العسكرية لحماس هي نتيجة ارتباطها بإيران.
ويضيف الكاتب أن حماس لديها عدة دول حليفة، ولعل أبرزها قطر وتركيا، في عهد أردوغان، لكن إيران هي الحليف الوحيد الذي يقدم المساعدة العسكرية والمعرفية لحماس، التي أصبحت بفضل إيران قادرة على ذلك تصنيع الصواريخ والقذائف.
ويبدو شبه مؤكد أن الاستعدادات والتدريبات لهذا الهجوم – مثل التدريب على استخدام الطائرات الشراعية – جرت خارج قطاع غزة، ولأن التحالف العسكري بين إيران وحماس ليس موضع خلاف، فلا شك أنه كان ضروريا. لهجوم 7 أكتوبر.
ويتساءل الكاتب لماذا تحرص إيران على هذا التحالف؟ ويجيب بأن إيران تسعى إلى تدمير إسرائيل من خلال نشر قوتها في جميع أنحاء المنطقة ومحاصرة البلاد بالجماعات الموالية لها. وقد حققت تقدماً ملموساً في لبنان وغزة وسوريا والعراق، ويبدو أن لديها إمكانية الوصول إلى الضفة الغربية عبر سوريا والأردن.
لقد طور الحرس الثوري الإسلامي منهجية للجمع بين السلطة السياسية وشبه العسكرية، وهي منهجية لا مثيل لها في الشرق الأوسط، والتي جلبت لطهران القوة والنفوذ في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة.
ويرى الكاتب أن شعبية وشرعية الإسلام السياسي “الإسلامي” في بلاد الشام والعراق تصب في صالح المشروع الإيراني. ورغم أن إيران قوة شيعية، إلا أنها استثمرت بقوة في القضية الفلسطينية، مما يزيد من جاذبيتها لدى السنة.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول: “من المرجح أن تحدد نتيجة هذه الحرب مستقبل الشرق الأوسط بأكمله”.