بقلم – مرام محمد
الاثنين 9 أكتوبر 2023 الساعة 02:00 صباحًا
ورد سؤال من دار الإفتاء المصرية على موقعها الرسمي، وكان مضمونه: “ما معنى حديث: “إن الله تعالى إذا أحب عبداً ابتلاه”؟ فهل هناك حقا اختبار يدل على الرضا، واختبار آخر يدل على الغضب؟
وجاء رد دار الإفتاء كالتالي:
فالابتلاء هو قدر من أقدار الله عز وجل، ولا يجوز الحكم عليه على ظاهره من ضرر أو نفع. وكذلك لا ينبغي للعبد أن ييأس من رحمة ربه، ولا يسأم من الدعاء، ولا يطيل زمن البلاء. وينبغي أن يعلم أنها علامة على محبة الله للعبد، وأن معنى الحديث الوارد في السؤال أن الله تعالى إذا أراد بالعبد خيراً يبتليه ويختبره بأي نوع من الاختبار..
ويفرق بين اختبار الرضا واختبار الغضب، حيث أن اختبار الرضا هو الذي يقابله العبد بالصبر على البلاء، واختبار الغضب يقابله الفزع وعدم الرضا بالحكم. من الله عز وجل. كما أن اختبار الغضب وسيلة للعقاب والانتقام، وعلامته عدم الصبر والشكوى للناس، واختبار الرضا تكفير الذنوب وتطهيرها. وعلامتها وجود الصبر الجميل من غير شكوى ولا خوف، وهي أيضاً لرفع الدرجات، وعلامتها الرضا والاطمئنان والطمأنينة لأمر الله عز وجل.
وبيان أن من حكمة البلاء زيادة الأجر ورفع العقاب
والاختبار هو من أقدار الله عز وجل ورحمته. يجلب فيه اللطف، وينشر اللطف في مساره، والشدة تجلب النعم. كل ابتلاء يصيب الإنسان هو في الحقيقة زيادة في مكانة المؤمن، وزيادة في أجره، ورفعة في عقوبته، حتى أنه شوكة تصيبه؛ وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما يصيب المؤمن من شوكة ولا شوكة، إلا رفعه الله بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة». رواه الإمام مسلم . في صحيح“.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” (10/105 ط دار المعرفة): [وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا: حصول الثواب، ورفع العقاب] أوه.
ولا يحكم أن ابتلاء الله تعالى لعباده ضار أو نافع في ظاهره؛ لأنه فيه أسرار غيبية وأحكام إلهية لا يعلم حقيقتها إلا رب الخلق. قال الله تعالى: “ولقد ابتلناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون”. [الأعراف: 168].
وليس القصد الحكم على الابتلاءات الظاهرة؛ بل المعرفة بقدرة الله عز وجل، وسرعة الرجوع إليه، وأن يفحص الإنسان نفسه بالسكون لقضاء الله عز وجل والاستسلام لمشيئته؛ قال الله تعالى: “فلولا أنهم لما جاءهم بأسنا إذا كانوا يتواضعون” [الأنعام: 43]وقال الله تعالى: “ولقد أخذناهم بالعذاب فما أسلموا لربهم وما تضرعوا”. [المؤمنون: 76].
معنى الحديث: «إن الله تعالى إذا أحب عبداً ابتلاه».
والاختبار علامة على محبة الله للعبد، ويدل على ذلك الحديث الذي ذكر عنه السائل. وهذا الحديث رواه ابن مسعود وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا أحب الله عبداً ابتلاه ليسمع دعاءه». “. وقد أخرجه الإمام البيهقي في “شعب الإيمان” وابن حبان في “المجروحين” والديلمي في “المسند” وابن أبي الدنيا في “الصبر والأجر” و”المرض”. والكفارات”.
وفي رواية أخرى رواه الإمام الترمذي في «سننه» عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « إن عظم الأجر يأتي مع عظم البلاء، وإذا أحب الله قوماً ابتلاهم. “السخط”.
ومعنى الحديث أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا ابتلاه وابتلاه بأي نوع من أنواع البلاء، كالمرض أو الهم أو الضيق. ليطهّره من الذنوب، ويخلّص قلبه من الانشغال بغيره سبحانه، ويستجيب دعاءه، ويكافئه على دعاءه سبحانه وتعالى. قال الإمام المناوي في “التيسير بشرح الجامع الصغير” (1/60 مكتبة الإمام الشافعي): [«إِذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه»؛ أي: أراد به الخير ووفقه «ابتلاه» اختبره وامتحنه بنحو مرض أو همٍّ أَو ضيق؛ «ليسمع تَضَرُّعَهُ» تَذَلُّلَه واستكانته وخضوعه ومبالغته في السُّؤال ويثيبه.. «وإنَّ اللَّه إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم» بأنواع البلاء؛ حتى تمحص ذنوبهم وتفرغ قُلُوبهم لذكره وعبادته] أوه.
الفرق بين اختبار الرضا واختبار الغضب وعلامات كل منهما
وهناك فرق بين اختبار الرضا واختبار الغضب، وهو: اختبار الرضا هو الذي يقابله العبد بالصبر على البلاء. حتى ينال العبد رضا الله ورحمته؛ فهو دليل على محبة الله تعالى له، وليس دليلاً على غضب الله تعالى عليه. وأما الإصابة بالغضب فهي القلق وعدم الرضا بقضاء الله عز وجل..
قال الإمام ابن المالك في “شرح المصابيح” (2/324 ط إدارة الثقافة الإسلامية): [«وإنَّ اللَّه إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَنْ رضي»؛ أي: بالبلاء وصبر عليه فله الرضا؛ أي: يحصل له رضاء الله ورحمته، «وَمَنْ سَخِطَ»؛ أي: كره البلاء وجزع ولم يرضَ بحكم الله، فعليه السخط من الله والغضب عليه، والرضاء والسخط يتعلقان بالقلب لا باللسان، فكثير ممَّن له أنينٌ من وجعٍ وشدةِ مرضٍ مع أن في قلبه الرضاءَ والتسليم بأمر الله تعالى] أوه.
قال الملا علي القاري في “”مراقة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”” (٣/١١٤٢، طبعة دار الفكر): [نزول البلاء علامة المحبة، فمن رضي بالبلاء صار محبوبًا حقيقيًّا له تعالى، ومن سخط صار مسخوطًا عليه] أوه.
ويختلف اختبار الرضا عن اختبار الغضب من ناحية أخرى، وهو أن اختبار الغضب وسيلة للعقاب والانتقام، وعلاماته عدم الصبر والقلق والشكوى للناس، واختبار الرضا كفارة. وتطهير الذنوب . ومن علاماته وجود الصبر الجميل من غير شكوى ولا خوف، كما أنه يساعد على رفع الدرجات. ومن علاماتها الرضا وراحة البال والطمأنينة لأمر الله.
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني في “فتوح الغيب” (ص113 ط دار الكتب العلمية): [علامة الابتلاء على وجه العقوبة والمقابلة: عدم الصبر عند وجوده، والجزع والشكوى إلى الخليقة والبريات.
وعلامة الابتلاء تكفيرًا وتمحيصًا للخطيات: وجود الصبر الجميل من غير شكوى وإظهار الجزع إلى الأصدقاء والجيران والتضجر بأداء الأوامر والطاعات.
وعلامة الابتلاء لارتفاع الدرجات: وجود الرضا والموافقة، وطمأنينة النفس، والسكون بفعل إله الأرض والسماوات، والفناء فيها إلى حين الانكشاف بمرور الأيام والساعات].