الدفء ترف… في شمال غرب سوريا
بين أكوام القش والأعواد الصغيرة الجافة المتجمعة تحت خيمة بسيطة، يجلس محمد قرمان يحاول تشكيل حزم من القش وإعدادها للمدفأة.
ويقول الشاب المقيم في مخيم الأندلس بريف إدلب الشمالي لـ«الشرق الأوسط»: «جمعناه خلال الصيف»، مضيفاً: «الفلاحون لا يتقاضون القش. سوف نستخدمها للتدفئة. لأن الحطب والقشر غالي الثمن، وجميع الأسعار بالدولار”.
وتنتشر مدافئ قشور الفستق أو البندق أو بذور المشمش للتدفئة، فهي سهلة الاشتعال وقليلة التدخين، ورغم تزايد استخدامها في المنطقة خلال السنوات الماضية، إلا أنها تعتبر بعيدة عن متناول الشريحة الأوسع من السكان. ويحتاج 91 بالمئة منهم إلى مساعدات إغاثة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
في شمال غربي سوريا، لم يعد اختيار مواد التدفئة الشتوية أمراً بسيطاً، إذ أن ارتفاع معدلات الفقر وندرة وارتفاع تكلفة المواد الأساسية، إضافة إلى التراجع المستمر في المساعدات الإغاثية، جعل من الدفء رفاهية لا يستطيعها الجميع يمنح.
الخيارات متعددة… والوضع واحد
ورغم أن درجات الحرارة بدأت بالانخفاض ليلاً، إلا أن سكان المنطقة ما زالوا يؤجلون إشعال المدافئ، فيما تظهر قائمة الأسعار المعلقة في الساحة، والتي يستخدمها أيمن حاج لطوف لعرض أنواع الحطب وأكياس قشور الفستق والبندق، انخفاض الأسعار ليتراوح بين 110 دولارات و220 دولاراً للطن. مبيعات مواد التدفئة بطيئة.
ويرى أيمن أن الظروف الاقتصادية التي يعيشها الناس هي السبب في قلة الإقبال على الشراء، إذ «الأسعار مرتفعة؛ ولأن المنطقة منطقة حرب والبطالة منتشرة، فلا يمكن للعامل أن يتقاضى أجراً يزيد عن مائة ليرة يومياً، وهذا لا يكفي لشراء الخبز والطعام”.
الحطب هو أرخص المواد المتوفرة للتدفئة؛ لأنه منتج محلي، ورغم تقلص مساحات الغابات خلال السنوات الماضية؛ ونظراً لقطع الأشجار العشوائي، فإنه لا يزال يستخدم على نطاق واسع، ويتراوح سعر طن الحطب بين 110 و150 دولاراً.
كما أن سخانات الديزل التي كانت الأكثر انتشاراً في سوريا قبل الحرب، لم تعد خياراً واقعياً أيضاً، إذ لم يعد الوقود متاحاً بسهولة للمنطقة العالقة بين الأطراف المتحاربة، كما أن ارتفاع أسعارها جعل استخدامها يتراجع في مواجهة الحرب. حلول بديلة.
وتوفر تركيا الفحم وقشور الفستق والبندق وبذور المشمش، والتي تشكل 80 بالمئة من مواد التدفئة، بحسب تقدير أيمن، الذي قدر أن أسعار هذه المواد انخفضت هذا العام بنحو 70 دولاراً للطن مقارنة بأسعار العام الماضي.
ويبلغ سعر طن الفستق الحلبي 200 دولار، والمشمش 220 دولاراً، والبندق 168 دولاراً. وفي حين توفر هذه المواد احتراقا سريعا ونظيفا مقارنة بالحطب أو البيرين (كتل تتكون من بذور الزيتون وتستخدم كمادة للتدفئة)، إلا أن أسعارها مرتبطة بالتصدير وهي عرضة للارتفاع أو الانقطاع. نتيجة توقف الحركة التجارية لسبب أو لآخر بين الشمال السوري وتركيا.
كما أن تخزين مواد التدفئة ليس حلا يلغي خطر نقص المواد بالنسبة للسكان الذين يضطرون أحيانا للبحث عن أكياس القش في جميع أنحاء المنطقة، لأنها تتطلب مساحة كبيرة لتخزين الكمية اللازمة لتدفئة الأسر خلال أشهر الشتاء. . أما بالنسبة للتجار، فإن التخزين يشكل خطراً لا يمكنهم تحمله إذا انخفضت الأسعار في تركيا بعد قيامهم بشراء كميات كبيرة.
الدفء على حساب الصحة
يعلم محمد قرمان أن مخزونه من القش في الصيف سوف يستهلكه الشتاء بسرعة، وسيتعين عليه تأمين بديل له. بالنسبة له، لا يوجد خيار آخر غير الحطب، على الرغم من الضرر الذي يسببه لطفليه الصغيرين، اللذين يصابان كل عام بحساسية في الصدر بسبب الدخان.
قال محمد: “لدي خيار: إما أن أحضر الدواء للأطفال، أو أحضر لهم مواد التدفئة.. لا يمكننا أن نبقى دون تدفئة خلال فصل الشتاء، وعندما نشعل الحطب نضطر إلى أخذ الأطفال إلى المنزل”. المستشفى مرة أخرى، فنقضي الشتاء كله في المستشفى”. إلى الخيمة، ومن الخيمة إلى المستشفى».
وحذرت منظمة أطباء بلا حدود، في تقرير أصدرته يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني، من مخاطر استخدام وسائل التدفئة البديلة المصنوعة من النفايات والبلاستيك والأحذية. ولأنه يضر بالأطفال وكبار السن، خاصة عندما يتعرضون للأمراض المرتبطة بالبرد وأمراض الجهاز التنفسي والالتهابات، دعت إلى زيادة الدعم الشتوي للمحتاجين.
ويعتمد أغلب سكان المخيمات العشوائية على جمع النفايات من جوانب الطرق لحرقها للحصول على بعض الدفء، بالإضافة إلى صناعة وحدات التدفئة من روث الحيوانات أو الورق المقوى، أو جمع الأحذية والملابس القديمة وكل ما هو متاح للحرق دون تدفع، ولكن هذه المواد، بالإضافة إلى مخاطرها الصحية، يتم استنفادها بسرعة. خلال أشهر الشتاء الطويلة.
بالنسبة لمحمد، العمل في الأراضي الزراعية لمدة أسبوع يوفر له ثمن مائة كيلوغرام من الحطب، لكنه لن يضطر إلى شراء طعام لعائلته حتى يتمكن من تأمينه. ولا يقتصر خطر الحطب على حساسية الصدر، بل يمتد إلى اندلاع الحرائق والاختناق ليلاً إذا لم يتم التأكد من إطفاء الجمر قبل النوم.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو مليوني شخص يقيمون في مخيمات شمال غربي سوريا. وأغلب هذه المخيمات عشوائية وتفتقر إلى الخدمات الأساسية. وتزداد حاجتهم للمساعدة في تأمين احتياجاتهم الأساسية عاماً بعد عام، كما أصبح شراء مواد التدفئة أكثر صعوبة.
قال مدير العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إيديم وسيرنو، إن هناك 5.7 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة الشتوية في جميع أنحاء سوريا، وتشمل هذه الاحتياجات المأوى المناسب ومواد التدفئة والملابس الشتوية. وذلك في كلمتها أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي.
وتم حتى الآن توفير الكرفانات والملاجئ الآمنة لنحو 100 ألف شخص، أي حوالي 26 ألف أسرة، ويجري العمل على توفيرها لنحو 7000 أسرة أخرى.
ولكن مع وصول العجز في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 إلى 70 بالمائة، “فمن الصعب تقديم المزيد”، كما قال فاسرنو، واصفاً هذه المستويات المنخفضة بأنها “غير مسبوقة” لكارثة إنسانية بحجم الكارثة السورية.