- مؤلف، وليد بدران
- دور، بي بي سي
يصادف يوم 6 أكتوبر من هذا العام مرور 43 عامًا على اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في مثل هذا اليوم من عام 1981 على يد مجموعة من ضباط الجيش خلال عرض عسكري بالقاهرة بمناسبة الذكرى الثامنة لاندلاع ثورة أكتوبر. حرب 1973. بين العرب بقيادة مصر، وإسرائيل.
واغتيل السادات في ذلك اليوم الذي اعتبره يوم انتصاره على الجيش الإسرائيلي.
وكان أنور السادات أول زعيم عربي يصنع السلام مع إسرائيل قبل عامين من اغتياله، وهو القرار الذي أثار غضب الكثير من المصريين والعرب وأدى إلى مظاهرات عنيفة ضده. ما هي قصته؟
البدايات
ولد محمد أنور السادات في 25 ديسمبر 1918 في قرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية في مصر.
تقول الموسوعة البريطانية أن السادات تخرج من الكلية الحربية بالقاهرة عام 1938، وخلال الحرب العالمية الثانية خطط لطرد البريطانيين من مصر بمساعدة الألمان.
اعتقله البريطانيون وسجنوه عام 1942، لكنه هرب بعد عامين. وفي عام 1946، ألقي القبض على السادات بعد اتهامه بالتورط في اغتيال الوزير أمين عثمان الموالي للبريطانيين، وسجن حتى تمت تبرئته عام 1948.
وفي عام 1950، انضم إلى حركة التحرير الوطني، وكان السادات أحد قادة تنظيم الضباط الأحرار الذي أطاح بالنظام الملكي المصري عام 1952. كما أيد انتخاب عبد الناصر للرئاسة عام 1956.
الرئاسة والتحديات
شغل السادات مناصب عليا مختلفة، بما في ذلك منصب نائب الرئيس بين عامي 1964 و1966، و1969 و1970.
ثم أصبح رئيساً بالنيابة بعد وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، وانتخب رئيساً في استفتاء عام في 15 أكتوبر 1970.
وبعد توليه هذا المنصب، واجه تحديات كبيرة من من عرفوا بمراكز السلطة، الذين كانوا أعمدة حكم عبد الناصر، ونجح في الإطاحة بهم فيما عرف في مصر بـ”ثورة التصحيح”.
كما كان الاقتصاد المصري في حالة سيئة بعد حرب 1967 وهزيمة الجيش المصري أمام إسرائيل، وكان المجتمع المصري يعاني من التضخم ونقص الخدمات الأساسية.
وفي عام 1972، بعد أن شعر السادات بأن الاتحاد السوفييتي لم يقدم له الدعم الكافي، قام بطرد الآلاف من الفنيين والمستشارين السوفييت من البلاد.
حرب 1973
وتقول الموسوعة البريطانية إن مبادرات السلام المصرية تجاه إسرائيل بدأت في وقت مبكر من رئاسة السادات، عندما أعلن استعداده للتوصل إلى تسوية سلمية إذا أعادت إسرائيل شبه جزيرة سيناء (التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967).
وبعد فشل هذه المبادرة، شن السادات هجومًا عسكريًا بالتنسيق مع سوريا لاستعادة الأراضي، مما أشعل الحرب العربية الإسرائيلية في 6 أكتوبر 1973.
حقق الجيش المصري مفاجأة تكتيكية في هجومه في 6 أكتوبر/تشرين الأول على التحصينات الإسرائيلية التي تبدو غير قابلة للاختراق على طول الضفة الشرقية لقناة السويس.
وعلى الرغم من أن إسرائيل صدت تقدم القوات المصرية لاستعادة شبه جزيرة سيناء، إلا أنها تكبدت خسائر فادحة.
خرج السادات من الحرب بشكل بارز كأول زعيم عربي يستعيد بالفعل بعض الأراضي من إسرائيل. كما أصبحت مكانته على الساحة الدولية قوية، حيث اعتبره الكثيرون بطلاً قومياً وقائداً محنكاً أعاد الكرامة للأمة العربية. إلا أن هذه الحرب لم تكن مجرد تحرك عسكري، بل كانت مقدمة لتحركات دبلوماسية كبيرة.
سلام
وبعد الحرب عمل السادات على تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وقام بزيارة تاريخية إلى إسرائيل يومي 19 و20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1977، وسافر خلال هذه الزيارة إلى القدس لتقديم خطته للتسوية السلمية أمام الكنيست الإسرائيلي.
بدأ هذا سلسلة من الجهود الدبلوماسية التي واصلها السادات على الرغم من المعارضة القوية من معظم العالم العربي والاتحاد السوفيتي.
وتوسط الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في المفاوضات بين السادات ومناحيم بيغن، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، وهي اتفاقية سلام أولية بين مصر وإسرائيل.
حصل السادات وبيغن على جائزة نوبل للسلام عام 1978، وأسفرت مفاوضاتهما السياسية المستمرة عن توقيع معاهدة سلام في 26 مارس 1979، بين مصر وإسرائيل، وهي أول معاهدة بين الأخيرة وأي دولة عربية.
السخط والاغتيال
وبينما ارتفعت شعبية السادات في الغرب، فقد انخفضت بشكل كبير في مصر بسبب المعارضة الداخلية للمعاهدة، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وقمع السادات للمعارضة.
في سبتمبر 1981، أطلق السادات حملة أمنية كبيرة ضد معارضيه، وسجن أكثر من 1500 شخص من مختلف الأطياف السياسية.
وفي الشهر التالي، اغتيل السادات على يد أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي المصرية خلال العرض العسكري ليوم القوات المسلحة في 6 أكتوبر 1973.
وكان السادات قد تلقى التحية العسكرية، ووضع إكليلا من الزهور على قبر الجندي المجهول، وكان جالسا يشاهد عرضا للقوات الجوية المصرية عندما انفجرت قنبلتان يدويتان.
ثم قفز مسلحون من شاحنة عسكرية أمام منصة الاستعراض الرئاسية، وركضوا نحو الجمهور، وفتحوا النار على المسؤولين.
ورغم الأعداد الكبيرة المعتادة لأفراد الأمن في هذه المناسبة الاحتفالية، يقول شهود عيان إن المهاجمين تمكنوا من مواصلة إطلاق النار لأكثر من دقيقة.
وبحلول الوقت الذي رد فيه الحراس الشخصيون للرئيس بإطلاق النار، أصيب ما لا يقل عن عشرة أشخاص بجروح خطيرة أو ماتوا داخل المنصة.
ثم أطلقت قوات الأمن النار على اثنين من المهاجمين فقتلتهما وتغلبت على الباقين، بينما ركضت حشود من العسكريين والمدنيين المتفرجين للاختباء.
تم نقل الرئيس السادات بطائرة هليكوبتر إلى مستشفى عسكري، ويعتقد أنه توفي بعد حوالي ساعتين.
وأثارت الدقة التي تم بها تنسيق الهجوم الشكوك في أن المهاجمين استفادوا من معلومات ودعم استخباراتي رفيع المستوى.
وكانت ردود الفعل على وفاة الرئيس السادات متباينة.
أدان الرئيس الأمريكي رونالد ريغان اغتيال أنور السادات ووصفه بأنه عمل شنيع. وقال: “لقد فقدت الولايات المتحدة صديقا عظيما، وفقد العالم رجل دولة عظيما، وفقدت الإنسانية بطلا للسلام”.
لكن الكثيرين احتفلوا بهذا الخبر. وفي ليبيا، قالت إذاعة طرابلس إن لكل طاغية نهاية، حيث خرج الآلاف إلى شوارع العاصمة فرحين.
كما لم تدن منظمة التحرير الفلسطينية عملية الاغتيال. وقال نبيل الرملاوي، المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية: «كنا نتوقع هذه النهاية للرئيس السادات لأننا على يقين أنه كان يعمل ضد مصالح شعبه والأمة العربية والشعب الفلسطيني».
تراث السادات
وبعد وفاته، ظلت شخصية أنور السادات محل جدل كبير، إذ رآه البعض بطلا قوميا ورائدا للسلام في الشرق الأوسط، بينما رأى آخرون فيه شخصية تثير الانقسامات داخليا وخارجيا. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن إرثه كان له تأثير عميق على مصر والعالم العربي.
وعلى المستوى الدولي، يعتبر السادات من القادة الذين ساهموا في تغيير ملامح الشرق الأوسط. ولم تكن معاهدة السلام التي وقعها مع إسرائيل مجرد اتفاق ثنائي، بل هي بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، رغم أن هذه العلاقات لم تتطور بشكل كامل إلا بعد سنوات عديدة.
ويشعر البعض أن التاريخ قد برر نهج السادات في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي. وبعد أكثر من عقد من اغتياله، شرع الفلسطينيون في طريقهم الطويل والشاق لتحقيق السلام مع أعدائهم، وتبعهم الأردنيون بإبرام السلام مع إسرائيل، ثم الإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان والبحرين.
وعلى المستوى المحلي، استمرت الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي بدأها السادات، والتي أبعدت مصر عن الاقتصاد الموجه ودولة الحزب الواحد التي ورثها عن سلفه جمال عبد الناصر، في تشكيل المجتمع المصري.
ترك السادات بصمته على مصر من خلال سياساته الاقتصادية والاجتماعية. ورغم أن هذه السياسات لم تكن خالية من العيوب، إلا أنها كانت محاولة لتحديث الاقتصاد المصري وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية.
كانت إحدى أهم مبادرات السادات المحلية هي سياسة الباب المفتوح المعروفة باسم الانفتاح، وهو برنامج للتغيير الاقتصادي الجذري الذي شمل اللامركزية وتنويع الاقتصاد بالإضافة إلى الجهود المبذولة لجذب التجارة والاستثمار الأجنبي.
جاءت جهود السادات لتحرير الاقتصاد بتكلفة باهظة، بما في ذلك ارتفاع التضخم، والتوزيع غير العادل للثروة، واتساع فجوة التفاوت، مما أدى إلى السخط الذي ساهم لاحقًا في ما عرف آنذاك باسم انتفاضة الخبز في يناير 1977.
ووعد السادات المصريين بأن السلام مع إسرائيل سيجذب الاستثمار الأجنبي ويجلب الرخاء، لكن ذلك لم يحدث.
واستمرت المصاعب الاقتصادية التي تواجهها البلاد في التراكم، واتسعت الفجوة بين الفقراء والأغنياء.
كما اتهم البعض السادات بالوقوف وراء ظهور الإسلام الراديكالي في مصر. ولسحق معارضيه، الذين كان معظمهم من القوى العلمانية واليسارية، قام باستقطاب الإسلاميين وطلب دعمهم.
كما قام السادات بتعديل الدستور لجعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. ومثل غيره من اللاعبين الإقليميين والدوليين خلال الحرب الباردة، استخدم السادات الإسلام السياسي لمهاجمة المعارضين الذين وصفهم بـ “الشيوعيين”.
وبعد أن يخرج الجني من القمقم يصعب إعادته مرة أخرى. ويعتقد أن من قتلوا السادات كانوا حلفاءه السابقين في معركته ضد اليسار، وأنهم قتلوه لأنه عقد السلام مع عدوهم إسرائيل.
ومن بين المشتبه بهم العديدين الذين سُجنوا بعد اغتيال السادات طبيب مصري شاب يدعى أيمن الظواهري. وبعد أن قضى عقوبته، غادر مصر للانضمام إلى صفوف الجهاد العالمي، وأصبح في نهاية المطاف زعيما لتنظيم القاعدة حتى وفاته في عام 2022.