تصاعدت أزمة «محور فيلادلفيا» بين مصر وإسرائيل. وهو ما انعكس في التصريحات المتضاربة بين البلدين. وبينما تتحدث تل أبيب عن «قرب التوصل إلى اتفاق بشأن الشريط الحدودي»، تنفي القاهرة أي «نوع من التنسيق فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية في الممر المعروف أيضاً بـ (محور صلاح الدين)».
و”ممر فيلادلفيا” هو شريط حدودي يبلغ طوله 14 كيلومترا بين غزة ومصر، ويعتبر منطقة عازلة بموجب “اتفاقيات كامب ديفيد” الموقعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979.
ومنذ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصبح «محور فيلادلفيا» مصدراً للتوتر بين البلدين، إثر تصريحات إسرائيلية ألمحت إلى رغبتها في «السيطرة على الشريط الحدودي»، وهو ما اعتبرته مصر «اعتداءً على سيادتها».
وآخر هذه الخلافات، ما نقلته قناة القاهرة نيوز الفضائية، مساء الخميس، عن مصدر أمني رفيع “نفى ما تم تداوله حول اقتراب الاتفاق مع إسرائيل بشأن رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) أو تركيب أي وسيلة تكنولوجية هناك”. وقال المصدر: «لا توجد ترتيبات أمنية جديدة بخصوص المحور».
وجاء النفي المصري ردا على تقارير إعلامية إسرائيلية، نقلا عن إذاعة الجيش الإسرائيلي، زعمت أن “القاهرة وتل أبيب تقتربان من التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات الحدودية مع قطاع غزة بعد الحرب”، وأن “محادثات بين الجانبين مستمرة منذ أسابيع وسط خلافات حول مدى السيطرة الإسرائيلية”. على (ممر فيلادلفيا). وأشارت إلى أن “إسرائيل وعدت مصر بعدم القيام بعمليات عسكرية في رفح قبل منح السكان الوقت الكافي للإخلاء والانتقال إلى مناطق أخرى في غزة”.
لكن النفي المصري لم يمنع التسريبات الإعلامية الإسرائيلية، وقالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل الجمعة إن “إسرائيل أعطت القاهرة تأكيدات واضحة بأن أي عملية عسكرية على الحدود بين غزة ومصر لن تؤدي إلى هجرة جماعية للفلسطينيين إلى سيناء”. “. ونقلت الصحيفة عن مصدر مصري مطلع قوله إن “مخاوف القاهرة بشأن (محور فيلادلفيا) لا تتعلق بقيام إسرائيل بعملية عسكرية، بل باحتمال أن تؤدي إلى هروب أعداد كبيرة من السكان من قطاع غزة”. اتجهوا إلى الأراضي المصرية”. وأضافت الصحيفة أن “مصر تشك في نوايا الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين، ولذلك تطالب بضمانات ولا تقبل الوعود الشفهية من تل أبيب”.
ونزح أكثر من نصف سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إلى جنوب القطاع. وأعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الجمعة، عن “قلقه” إزاء تصاعد القتال في خان يونس.
وأكد نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية اللواء محمد إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» أن «الموقف المصري واضح بشأن (محور فيلادلفيا)، وعلى إسرائيل أن تمتنع عن التفكير في احتلاله»، مشيراً إلى أن وأضاف أن مصر حريصة كل الحرص على اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها حماية أمنها القومي دون النظر إلى أي مواقف أخرى.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تنفي فيها مصر مناقشة أي ترتيبات مع إسرائيل في هذا الشأن، حيث تكرر ذلك أكثر من مرة مؤخرًا من خلال تصريحات لمصادر أمنية أو مصرية رفيعة المستوى، نقلتها قناة القاهرة الإخبارية. وفي كل مرة، تؤكد هذه المصادر «رفض مصر لأي تحركات من الجانب الإسرائيلي على المحور الحدودي».
يُشار إلى أن أزمة المعابر الحدودية تصاعدت منذ تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي تحدث فيها عن “ضرورة أن يكون المحور تحت سيطرة إسرائيل”. ثم جاءت تقارير إعلامية غربية وإسرائيلية تحدثت عن «تنسيق مشترك بشأنه»، وحرصت مصر على نفيه أيضا، قبل أن يتصاعد الخلاف وينتقل إلى مستوى التصريحات الرسمية، حيث وصف نتنياهو الممر الحدودي بأنه «ثغرة» يجب إغلاقها”، كما قال نهاية الشهر الماضي، إن “بلاده لم تتخذ بعد قراراً بشأن السيطرة العسكرية المحتملة على (محور فيلادلفيا)”. وأضاف: “لن ننهي الحرب في غزة دون سد الفجوة في (محور فيلادلفيا)”، وأشار حينها إلى أن “الأسلحة قد تدخل إلى قطاع غزة عبر هذه الفجوة الجنوبية”.
وهو ما دفع القاهرة للرد رسميا من خلال بيان لرئيس الهيئة الإعلامية المصرية ضياء رشوان، أكد فيه أن أي “تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه سيؤدي إلى (تهديد جدي وخطير) للعلاقات بين البلدين. ” واعتبر “محور فيلادلفيا” “خطاً أحمر ينضم إلى الخط السابق الذي أعلنته مصر مراراً وتكراراً، وهو الرفض القاطع للتهجير القسري أو الطوعي للفلسطينيين إلى سيناء، والذي لن تسمح القاهرة لإسرائيل بعبوره”.
بدوره، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إن «القاهرة لديها عدة تحفظات على أي محاولة إسرائيلية لتغيير الترتيبات الأمنية على المحور الحدودي»، مشيراً إلى أن «هذه التحفظات تم توضيحها لإسرائيل، وتم إرسال رسائل واضحة». موضحاً أن مصر لن تقبل أي تواجد”. الإسرائيلية في (محور فيلادلفيا)”.
وبموجب اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل انسحبت القوات العسكرية من جوانب المحور، وظلت القوات الإسرائيلية مسيطرة على المنطقة حتى انسحابها من قطاع غزة منتصف أغسطس/آب 2005، وتسليمه للسلطة الفلسطينية. والتي منحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، بحضور مراقبين من الاتحاد الأوروبي.
وفي سبتمبر/أيلول 2005، تم توقيع «اتفاقية فيلادلفيا» بين إسرائيل ومصر، والتي اعتبرت ملحقاً أمنياً لمعاهدة «السلام». وتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة بين قطاع غزة، ويقدر عددها بنحو 750 جنديا من حرس الحدود، مهمتها “مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب وكشف الأنفاق”.
ونقل موقع “أكسيوس” الإخباري عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن “رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، زار القاهرة يوم الاثنين الماضي، حيث التقى برئيس جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل، والرئيس المصري”. وتطرقت المباحثات إلى الأوضاع على (محور فيلادلفيا). وتعاونت الدولتان على منع تهريب الأسلحة إلى غزة، وهو ما نفته القاهرة أيضًا.
وعلى الصعيد الفلسطيني، ثمنت حركة حماس أكثر من مرة موقف القاهرة الرافض للمخططات الإسرائيلية بشأن “محور فيلادلفيا”، آخرها من خلال بيان لرئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الأربعاء الماضي، عبر فيه عن “ وتقدير الحركة لموقف مصر الرافض لمحاولات إسرائيل احتلال… المحور”.
لكن أزمة «محور فيلادلفيا»، وحالة التوتر بين القاهرة وتل أبيب بشأنها، لا تمنع الاتصالات المصرية لتحقيق التهدئة وإنهاء الحرب في غزة. وقال نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، إن “الاتصالات المصرية مستمرة مع كافة الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل”. وأضاف: “جهود مصر مستمرة، لكن هناك مشاكل كبيرة، أهمها مطالبة حماس بوقف دائم لإطلاق النار، وهذا أمر من المستحيل أن تقبله إسرائيل”. وتابع أن “المفاوضات لا تزال مستمرة وفرص التوصل إلى اتفاق لا تتجاوز 55 بالمئة”.
وعقد يوم الأحد الماضي في باريس اجتماع حضره رؤساء مخابرات مصر والولايات المتحدة وإسرائيل ورئيس الوزراء القطري، اختتم بـ”وثيقة” اعتبرت إطارا حاكما لتحريك صفقة تبادل الأسرى بين تل أبيب وحركة حماس، في إطار خطة من 3 مراحل، لكن هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية قالت، الجمعة، إن “عقبات عدة تقف أمام صفقة تبادل الأسرى المرتقبة”، مشيرة إلى أن “حماس ولا تزال تدرس ما إذا كانت ستوافق على الاقتراح أم لا”.
واستمراراً للمشاورات بهذا الشأن، بحث هنية مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، “مبادرات وقف العدوان على غزة”، حيث أكد الجانبان، بحسب بيان رسمي، على الجمعة، أن “دراسة المقترح الجديد لوقف إطلاق النار تنطلق على أساس أنه سيؤدي إلى أي مفاوضات لإنهاء العدوان بشكل كامل، وانسحاب جيش الاحتلال إلى خارج قطاع غزة، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار”. “.