الثلاثاء, يونيو 3, 2025
الرئيسيةأخبار مصرلماذا يخشى المصريون من «المراجعة الرابعة» لصندوق النقد الدولي؟

لماذا يخشى المصريون من «المراجعة الرابعة» لصندوق النقد الدولي؟

ومن المقرر أن يبدأ صندوق النقد الدولي في نوفمبر المقبل «المراجعة الرابعة» لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، وهي خطوة تثير مخاوف المصريين من أنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار في ظل تمسك الصندوق بمطالبه برفع الأسعار. الدعم الحكومي للخدمات وتحرير سعر الصرف.

وحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تبديد هذه المخاوف خلال كلمته أمام المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية المنعقد في القاهرة، عندما أكد أنه إذا كان الاتفاق مع الصندوق الدولي أوصل المصريين إلى “وضع لا يطاق، “ستتم مراجعته.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، وافق الصندوق على منح مصر 3 مليارات دولار، وفي أبريل/نيسان وافق على زيادة قدرها 5 مليارات دولار “للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وتصحيح الانحرافات في مسار السياسات”، كما أعلن الصندوق حينها. وصرفت إدارة الصندوق 3 شرائح، مع توقعات بأن يبدأ الصندوق “المراجعة الرابعة” في نوفمبر المقبل تمهيدا لصرف الشريحة الرابعة من القرض بقيمة 1.3 مليار دولار.

التاريخ القديم والتعاون غير المكتمل

وفي عام 1956، تراجعت أمريكا ومن خلفها البنك الدولي عن الموافقة على تمويل بناء السد العالي، وهو المشروع الذي احتشد حوله المصريون في ذلك الوقت. وكان هذا القرار سبباً مباشراً لاتخاذ الرئيس المصري جمال عبد الناصر آنذاك قراراً مضاداً بتأميم قناة السويس.

وهذا الصدام خلّده المطرب عبد الحليم حافظ في أغنية شهيرة بعنوان «حكاية شعب» قال فيها «راح إلى البنك الذي يساعد فقال له هو كمبيوتر فقال له» “قال مش معايا”. واعتبرت هذه الأغنية أن محاولات البنك الدولي عرقلة بناء السد العالي هي امتداد لخطايا قوى “الاستعمار الغربي” في مصر، تماما مثل “حادثة دنشواي”. “، والتي قام فيها الجيش البريطاني -أثناء احتلال مصر- بإعدام 4 مزارعين، وسجن العشرات، وجلد آخرين أمام أهاليهم بعد أن اتهموهم بالتورط في… مقتل أحد الضباط الإنجليز.

ورغم أن البنك الدولي، وليس صندوق النقد الدولي، هو الذي رفض بناء مشروع السد العالي، إلا أن موقفه انطبق على كافة المؤسسات الدولية المانحة، وتعززت نظرة المصريين السلبية تجاهها وضد التعاون معها.

“هذا الهوس حاضر دائما في قلوب المصريين”، هكذا بدأ أستاذ علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن حديثه لـ”الحرة”، مؤكدا أن المصريين لديهم تجربة تاريخية مؤلمة في التعامل مع المؤسسات الأجنبية المانحة منذ عهد الخديوي إسماعيل، عندما تم الاقتراض بشكل مفرط، مما أدى إلى فرض… الوصاية الخارجية على الموازنة العامة المصرية، ومن ثم جاء الاحتلال الإنجليزي.

وبحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي، كثيرا ما انتقد عبد الناصر خلال هذه الفترة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في خطاباته، وجيل الشباب الذي استمع إليها كبر الآن وأصبح آباء وأجداد وما زال محتفظا بهذا “الوضع النفسي”. “

ولعل هذا “الموقف النفسي” لعب دوراً سلبياً في فشل معظم اتفاقيات مصر مع الصندوق الدولي خلال السنوات التي أعقبت تأميم قناة السويس. وفي عام 1962 وقعت مصر على أول برنامج اقتصادي يتعاون معه الصندوق في أدائه لتقديم 5 ملايين دولار (احتياطي) بناء على طلب القاهرة الفوري إذا احتاجت إليه، وهي الخطوة التي تكررت كثيرا في السنوات اللاحقة كلما احتاجت مصر إلى دعم مالي لبلادها. الميزانية السنوية.

وفي أغلب الأحوال، لم تستكمل مصر بنود هذه البرامج حتى النهاية لأنها كانت تتضمن عادة الشروط المعتادة المتمثلة في ضرورة خفض سعر الجنيه أمام الدولار، ورفع أسعار المنتجات البترولية، وفرض ضرائب جديدة لخفض أسعار الفائدة. عجز الموازنة، والإسراع في تنفيذ برامج خصخصة الشركات العامة والبنوك.

وشهدت مصر طوال الثمانينيات أزمة كبيرة بسبب تراكم ديونها الخارجية حتى وصلت إلى 49.9 مليار دولار، أي أكثر من 145 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي آنذاك، حسبما أعلن البنك الدولي. الأمر الذي خلق عبئاً كبيراً على ميزانية الدولة، وأصبح مجرد الوفاء بأقساط «خدمة الدين» استنزافاً كبيراً لموازنة الدولة. جزء كبير من احتياطيات مصر من العملات الأجنبية.

وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991، تلقى الاقتصاد المصري قبلة الحياة بعد مشاركة مصر الفعالة في تحرير الكويت من العراق. ثم قررت الولايات المتحدة إعفاء مصر من ديونها العسكرية ودعت الدول الدائنة إلى مؤتمر في باريس لبحث شطب نصف ديونها لمصر.

وفي باريس، بادرت السعودية والكويت إلى شطب إجمالي الديون (نحو 6 مليارات دولار) دون أي قيود أو شروط، فيما أبدت الدول الأخرى (اليابان وعدة دول أوروبية) استعدادها لشطب نصف الديون (نحو 6 مليارات دولار) 4 مليارات دولار) بشرط أن تتوصل مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج إصلاح اقتصادي جذري.

ويروي الدبلوماسي المصري عبد الرؤوف الريدي في كتابه «رحلة العمر: مصر وأمريكا: معارك الحرب والسلام» قصة كواليس تلك المفاوضات التي شهدت إصرار الصندوق على انتهاج سياسات اقتصادية تقوم على أساس اقتصادي. – رفع الدعم وتحرير سعر الصرف.

وبحسب كتاب “المواطنة المصرية ومستقبل الديمقراطية”، فإن الصندوق “استمر في عرقلة إلغاء 4 مليارات دولار من ديون مصر، تمثل جزءا من الدين الذي تم الاتفاق على إسقاطه بشرط التقدم في التنفيذ”. برامج الإصلاح الاقتصادي”.

وفي عام 1996 نفذت مصر – لأول مرة – برنامج إصلاح كامل للاقتصاد بدعم من الصندوق، استمر نحو عامين بعد مفاوضات “صعبة” بسبب رفض الحكومة الاستجابة لمطالب الصندوق بتخفيض سعر الصرف. سعر الجنيه أمام الدولار، بحسب ما رواه رئيس الوزراء المصري آنذاك كمال الجنزوري في كتابه “مصر والتنمية وحكومة الجنزوري”. “.

أسطورة “الصندوق الناكد”

وقال عمار علي حسن لقناة الحرة إن النخبة المثقفة من المصريين تعرف تجارب صندوق النقد الدولي في دول أخرى تدخلت لـ”هندسة اقتصاداتها” وكيف أدى ذلك إلى مشاكل كبيرة لهذه الدول. وتنقل هذه النخبة هذا الوعي إلى الناس وتجعلهم ينفرون من سياساتها. .

واعتبر رئيس وزراء مصر الأسبق حازم الببلاوي في كتابه “4 أشهر في قفص الحكومة” أن مشكلة تعامل صندوق النقد الدولي مع الدول النامية هو أنه يسعى فقط إلى تحقيق التوازن النقدي للدولة المقترضة دون مع الأخذ في الاعتبار التبعات الاجتماعية لسياساتها. لذلك، في معظم الأحيان، الدول التي… بنصيحته، عارضتها الانتفاضات الشعبية.

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء صندوق النقد إلى جانب البنك الدولي للإنشاء والتعمير بهدف المساعدة في إعادة إعمار أوروبا، وهي المهمة التي تم تحقيقها بسرعة بفضل خطة مارشال الأمريكية. وبعد ذلك، بدأ البنك الدولي التعامل مع البلدان النامية منذ خمسينيات القرن العشرين، في حين ظل صندوق النقد الدولي في الغالب مع البلدان الصناعية. تطورت البنوك المركزية حتى السبعينيات، مما جعلها أقل حساسية لمشاكل العالم النامي من البنك الدولي.

ورغم أن الصندوق أدرك ذلك في السنوات الأخيرة وبدأ يأخذ الجوانب الاجتماعية والسياسية في الاعتبارات الاقتصادية، إلا أن «إرث الماضي» لا يزال يطارده حتى اليوم. وكثيراً ما يتم اتهامها بأنها ليست مؤسسة محايدة، بل تسعى إلى استغلال حاجة الدول الفقيرة لإجبارها على اتباع أجندة سياسية غربية في المقابل. توافق على مساعدتها.

ولذلك انتشر في الأوساط المصرية لقب ساخر للصندوق وهو “الحزن الدولي”، وهو الاسم الذي لم يستخدمه المصريون العاديون فحسب، بل استخدمه أيضا مسؤولون بارزون في الدولة، وعلى رأسهم الرئيس الراحل حسني مبارك.

وبحسب منير زهران في كتابه «شاهد على الدبلوماسية المصرية»، فإن مبارك كثيرا ما كان يرفض فكرة الاقتراض من الصندوق بسبب «الشروط غير العادلة»، وأنه وصفه ذات مرة بـ«صندوق المعاناة الدولي». واستمر هذا الرفض طوال عهد مبارك رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشها. مصر طوال فترة حكمه تقريبًا.

وإلى جانب هذا الموقف، تعددت الإشارات التي انتقد فيها مبارك مفاوضات الإصلاح مع صندوق النقد الدولي، والتي وصفها بـ«الزرغنة» (في غاية التعقيد باللهجة المصرية). كما اتهم الصندوق ذات مرة بأن وصاياه من شأنها أن “تغرق مصر”، وأنه لم يتهم الفقراء ولم يراعي مصالحهم ضمن توصياته.

وقال عمار علي حسن إن مبارك لم يتردد خلال خطاباته في الربط المباشر بين الاستجابة لتعليمات الصندوق وزيادة معاناة الشعب.

بعد اندلاع ثورة يناير 2011، تعرضت مصر لضغوط اقتصادية كبيرة جعلتها بحاجة إلى دعم مالي عاجل. وبحسب سمير رضوان، وزير المالية آنذاك، ووثقه كمال الوصال أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية في كتابه “الاقتصاد المصري بين المطارق”، فإنه عندما لجأ إلى الدول العربية، وعدت السعودية بنحو 3.7 مليار دولار. والإمارات 3 مليارات دولار، وقطر 10 مليارات دولار، منها 500 مليون دولار فقط وصلت إلى الخزانة المصرية بحلول نهاية العام من السعودية.

وهذا الفشل دفع الحكومة المصرية حينها إلى النظر في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، فتم الاتفاق على تقديم قرض لمصر بقيمة 3.2 مليار دولار بشروط جيدة، حيث لم تتجاوز نسبة الفائدة 1.5%، مع فترة سماح قدرها 1.5 مليار دولار. 3 سنوات، وبعدها سيتم سداد القرض على مدى 20 سنة.

ورغم ذلك، رفض المجلس العسكري -رئيس السلطة السياسية في البلاد آنذاك- تنفيذ هذا الاتفاق، بدعوى أن شروط الصندوق «تتعارض مع الكرامة الوطنية». وبدلا من ذلك، اتخذت إجراءات أكثر قسوة لتقليص عجز الموازنة من خلال تقليص بعض بنودها وإصدار أذون خزانة بفائدة 16 بالمئة، إضافة إلى… تلقي مليار دولار دعما من الجيش، بحسب حازم إل. – رواية الببلاوي في كتابه “أربعة أشهر في قفص الحكومة”.

وتعبيراً عن الرفض الشعبي لهذا القرض، أطلق عازف الجيتار ياسر المنواهلي أغنية سخر فيها من الاتفاق مع الصندوق. يقول: “أعطني عرضك… اغتني بقرضك… ازدهر في بلادنا واعتبرها أرضك”.

ويقول عمار علي حسن إنه بعيدا عن التصريحات والتجارب التاريخية، فإن الأهم هو المعاناة التي يعيشها المصريون حاليا نتيجة الاستجابة لوصايا صندوق النقد الدولي في السنوات الأخيرة.

وأضاف: “الحكومة تقول دائما إنها بحاجة لسداد الديون وتحتاج إلى تعويم العملة المحلية بناء على تعليمات صندوق النقد الدولي. وهذه السياسات لن تؤدي إلا إلى مزيد من إفقار المصريين”.

وبحسب عمار، فإن بعض الدول الرأسمالية بدأت تفكر في توسيع الدور الاجتماعي للدولة بعد ظهور نظريات جديدة تدعو إلى ما أسمته “الليبرالية الاجتماعية” أو ما يعرف بـ”الطريق الثالث”. ورغم ذلك، لا يزال صندوق النقد الدولي متمسكاً بنظرياته الاقتصادية “القديمة”، ويجبر الدول التي ترغب في ذلك… على الاقتراض منه بالمتابعة، كما يقول عمار.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات