(أ ش ا):
“رأس اللوتس”.. قطعة فنية استثنائية تبرز بين مجموعات العرض الجديد لممتلكات الملك توت عنخ آمون، لتكون إحدى أهم مفاجآت العرض الجديد لذلك الملك الذهبي بالمتحف المصري الكبير.
ومنذ الافتتاح المهيب للمتحف في الأول من نوفمبر 2025، والذي احتل صدارة وسائل الإعلام العالمية، برزت هذه التحفة الفنية الفريدة بتألقها، مستقطبة أنظار زوار المتحف، بل والعالم أجمع، لأن القطعة وضعت ضمن سيناريو عرض حديث يعيد تقديم الملك الذهبي بشكل غير مسبوق. وهو يحظى بإعجاب واسع النطاق من قبل الزوار والخبراء على حد سواء، لما يحمله من عمق رمزي وثراء فني يكشف جانبا فريدا من جوانب العقيدة المصرية القديمة.
ويجسد “رأس اللوتس” مشهدا مذهلا للملك الطفل، وهو يخرج من زهرة اللوتس على شكل الإله “نفرتوم”، إله البدايات الجديدة والخلق والبعث، في مشهد يجمع بين البراءة والقداسة ويكرس فكرة الولادة المتجددة التي شكلت ركيزة أساسية في الفكر المصري القديم. وتمت صياغة ملامح الوجه من الخشب والجص بحرفية دقيقة، ويبلغ ارتفاعها حوالي 30 سنتيمترا، مما يعكس مهارة الفنان القديم وقدرته على تحويل المعتقد الروحي إلى قطعة فنية نابضة بالحياة.
الرأس الذهبي للملك.. مصنوع من الخشب بدقة عالية، ويظهر الملك بملامح شابة، وهو ما يعكس الأسلوب الواقعي لمدرسة “العمارنة” التي كانت رائجة في عهد أبيه أخناتون. ويخرج الرأس من زهرة اللوتس مطلية بألوان نابضة بالحياة، خاصة اللون الأزرق الذي يمثل الماء، والذي يرمز إلى البيئة التي تنمو فيها الزهرة.
وتبرز أهمية هذه القطعة الفريدة من نوعها في أنها شاهد حي على عظمة الفن المصري القديم ورمزيته الدينية والفلسفية. ويعد ظهور رأس الملك من زهرة اللوتس المتفتحة تجسيدا لأمل المصريين القدماء في البعث والتجديد. بل إنه يظل رمزاً خالداً للحياة الأبدية وتجدد الشمس، يجمع بين «الجمال الفني» و«العمق الرمزي»، في حضارة لا تزال تلهم العالم حتى اليوم.
تم العثور على هذا الرأس الخشبي الفريد عند مدخل مقبرة الملك تونخامون، عندما كان عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، في عام 1922، يفتح الطريق إلى مقبرة الملك الذهبي في وادي الملوك. ووجد هذا الرأس المذهل الذي تم الحفاظ عليه بعناية ليظل شاهدا على براعة الحرفيين المصريين وقدرتهم على التعبير عن الرموز والمعتقدات من خلال فنهم. ولذلك، تكتسب هذه القطعة أهمية إضافية من الظروف غير العادية لاكتشافها. ولم يتم توثيقها خلال التنقيبات الأولى داخل المقبرة، ولكن تم العثور عليها فيما بعد بين الركام عند مدخل المقبرة، مما أضفى عليها لمسة من الغموض وزاد من قيمتها التاريخية.
ويشيد العديد من الخبراء العالميين بطريقة عرض القطعة داخل المتحف، معتبرين أنها تمثل أحد مقتنيات توت عنخ آمون الأكثر قدرة على ترجمة مفهوم الخلود بصريا.
في ظل الاحتفال العالمي بافتتاح المتحف المصري الكبير، تواصل “رأس اللوتس” جذب الانتباه باعتبارها تحفة فنية تستحضر لحظة ميلاد رمزي جديد للملك الذهبي. فهو لا يروي جزءًا من تاريخ مصر فحسب، بل يقدم أيضًا تجربة روحية وفنية تجسد عبقرية الحضارة التي لا تزال تبهر العالم وتكشف أسرارها يومًا بعد يوم.