06:15 مساءً
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
كتب – محمد شعبان :
شهدت الساعة السابعة مساء أمس الاثنين، حركة غير عادية على طريق الفيوم الصحراوي. سيارات الشرطة وضباط التحقيق وفريق الأدلة الجنائية. كان أحد رجال الشرطة يرافق شخصاً مقيّداً بالأصفاد إلى منطقة صحراوية أمام معسكر دهشور. توقف الجميع أمام حقيبة سفر وحولها مجموعة من الكلاب، ووقعت أعين الجميع على جثة امرأة مقطوعة الرأس. بدون مميزات.
قضية معقدة. شهادة فتاة 15 عاما فض الشجار وكشفت كواليس جريمة وقعت داخل عش الزوجية بمنطقة الهرم غربي الجيزة، وانتهت في صحراء 6 أكتوبر. ماذا حدث؟
“فاطمة” معلمة تحب مهنتها. لديها علاقة حب من طرف واحد مع التدريس. إنها لا تهتم بمشاكلها وصعوباتها. همها الرئيسي هو توفير تربية صحية للأجيال القادمة على أمل أن تحمل يوماً ما جنيناً داخل رحمها وتتحمل مسؤولية تربيته لاحقاً.
الصدفة وضعت فني أسنان في طريقها. وقع في حبها من النظرة الأولى، واختارها لتكون شريكة حياته. وسرعان ما تقدم لخطبتها، ورغم اختلاف التعليم بينه وبينها -حيث كان يحمل دبلوما- إلا أنه نال استحسان أهلها، لتنتقل فاطمة بعدها للزواج.
لأكثر من 16 عاما، عاش الزوجان حياة سعيدة. كان لديهم ثلاثة أطفال – صبيان وفتاة – لكن الريح تأتي عندما لا تحبها السفن. وفي الآونة الأخيرة، توترت العلاقة بين الثنائي، مع استمرار الاتهامات للزوجة بإهمال واجباتها المنزلية. حتى أنه طلب منها ترك وظيفتها والتفرغ لرعاية أطفالهما، لكن طلبه كان يقابل دائمًا بالرفض القاطع، دون أن يتوقع للحظة ما ستؤول إليه الأمور.
وقبل أسبوعين، توجه شقيق فاطمة إلى قسم شرطة الهرم، طالبًا مقابلة رئيس المباحث لأمر مهم. وعلم باختفاء شقيقته في ظروف غامضة والاشتباه في تورط زوجها بسبب تصرفاته الغريبة التي تزامنت مع اختفائها عن الأنظار.
ومع مغادرة الأخ ديوان القسم، عقد العميد عمرو حجازي رئيس المباحث الجنائية لقطاع الغرب اجتماعا مع ضباط شعبة ووحدة مباحث الهرم لبحث عناصر خطة البحث لحل لغز القضية .
منذ الوهلة الأولى شكك الرائد مصطفى الدكر، رئيس مباحث الهرم، في أن حل القضية يكمن في الزوج. وكانت المفاجأة الأولى هي اكتشافه أن المشتبه به الأول قد غادر المنزل، مما زاد الشكوك حول قيامه بإيذاء الضحية.
وبدأت مصادر المباحث السرية بجمع معلومات عن علاقته بزوجته، وسؤال الجيران عما إذا كانوا سمعوا صوت شجار بين الزوجين خلال الفترة الأخيرة، لكن الكلمة الحاسمة جاءت في مناقشة أبناء السيدة الأربعينية. هناك قصة قلبت موازين القضية 180 درجة.
وجلس رئيس المباحث مع الابنة الكبرى لفاطمة، البالغة من العمر 15 عاماً، فأجهشت بالبكاء. وظن رئيس المباحث أنها خائفة، فحاول أن يطمئنها، لكن ما خفي كان أعظم. وبكت القاصر من هول ما رأته وسجلته في ذاكرتها في ذلك اليوم المشؤوم.
وبصوت أجش بالكاد مسموع، قالت الابنة إنها خرجت من غرفتها على صوت والدتها تستغيث: «اتبعني يا بنتي»، وهو النداء الذي تكرر مرتين في ثلاث. قررت الابنة معرفة حقيقة ما يجري في الخارج.
وهنا رأت والدها يحمل سكينًا، ويسحب والدتها من شعرها إلى الحمام. وعندما اقتربت لتفحصها، وبخها والدها وأجبرها على العودة إلى غرفتها، محذرا إياها بحدة: “لا تخرجي من غرفتك حتى أخبرك”.
واختفت فاطمة عن الأنظار لمدة 14 يومًا. محاولات عائلتها للعثور عليها باءت بالفشل، وفي النهاية جاء الحل من ابنتها.
وبعد شهادة الابنة اكتملت الصورة. ولم تختف مربية الأجيال، بل ذبحت على يد زوجها. وانطلقت مهمات لمطاردته في الأماكن التي يتردد عليها حتى وقع في أحد الكمائن المعدة له.
ومن دون عنف أو إهانة، اعترف الجاني بجريمته، وأدلى بكل هدوء وثقة باعترافات تفصيلية عن فعلته الشنيعة. نشبت مشاجرة بين أخصائي التركيبات السنية وزوجته لأنه أراد منها أن تترك عملها لكنها رفضت.
وفي مرات سابقة كان الأمر ينتهي بالصمت من الطرفين، لكن هذه المرة كانت النهاية ملونة بالدم. وهرع الزوج إلى المطبخ وأخرج سكينا لينهي حياة “أم الأطفال”. وقام بفصل رأسها عن جسدها، ووضع جثتها داخل حقيبة كبيرة، ووضعها في سيارته، وتخلص منها في الصحراء المجاورة لطريق الفيوم، وتركها وجبة للكلاب الضالة.
ظن المتهم أنه ارتكب جريمة كاملة، لكن القاعدة الأبدية هي أنه لا توجد جريمة كاملة. شهادة ابنته القاصر أفسدت خطته ووضعته خلف القضبان في انتظار تحديد مصيره أمام القضاء.