
حديث رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن الأزمة الاقتصادية، وتحديد ست سنوات للتغلب عليها واستعادة مسار النمو الذي كانت عليه البلاد قبل سنوات قليلة، أثار تساؤلات حول مدى واقعية هذا الاقتراح والإجراءات التي يمكن أن تتخذها البلاد. .
وقال مدبولي، خلال مراسم تسليم الأبراج الإدارية الثلاثة الأولى، داخل منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، شرق القاهرة، اليوم الأحد: “أؤكد أننا ندرك تمامًا حجم الأزمة ونعمل على حلها”. ليل نهار لصياغة الحلول من أجل تجاوز هذه الأزمة، وسنتغلب عليها إن شاء الله خلال الفترة المقبلة”. .
وأضاف في تصريحات نشرت على صفحة مجلس الوزراء على فيسبوك: “نحن لا نتحدث عن 20 أو 50 عاما، بل 6 سنوات من الآن. نحن نعمل على تجاوز هذه الأزمة ونمضي حتى نصل إلى هذا العام وخلاله نستعيد مسار النمو الذي كنا عليه قبل حدوث الأزمة العالمية. نحقق المعدلات التي يحلم بها كل مواطن مصري.
لكن الخبير الاقتصادي مدحت نافع يرى في حوار مع موقع الحرة أن على رئيس الوزراء توضيح الأساس النظري والعملي الذي حدد عليه هذه الفترة، ومدى علاقته بالرؤية التي طرحتها الحكومة قبل أيام قليلة بخصوص الخطة الاقتصادية حتى عام 2030.
وقال نافع: «هناك تساؤلات حول الأسس والنماذج التي تم الاعتماد عليها والأسباب ومدى الخروج من الأزمة».
الخبير الاقتصادي وائل النحاس بدوره يقول: «لا نعرف لماذا حدد رئيس الوزراء ست سنوات. هل هذا مرتبط بالفترة الرئاسية أم لا؟ كما لم يحدد الفترة الزمنية التي بدأت فيها الأزمة. هل يتحدث عن أن الأزمة بدأت مع التعويم عام 2016 أم منذ وصول الأزمة؟ السيسي للرئاسة عام 2014 أو الثورة عام 2011”.
والشهر الماضي، أُعيد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لولاية ثالثة مدتها ست سنوات، بنسبة 89.6% من الأصوات، في فوز غير مفاجئ في ظل غياب أي منافسة جادة، فيما تمر مصر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها. انه التاريخ.
ووفقا للبنك الدولي، احتلت مصر المرتبة الأولى بين الدول الأكثر تأثرا بتضخم أسعار الغذاء بنهاية عام 2023. كما شهدت ارتفاعات متتالية في المؤشرات العامة للتضخم، خاصة في أسعار المواد الغذائية، بسبب الانخفاض المتتالي لقيمة الجنيه أمام الدولار. منذ عام 2016 وارتفاع فاتورة الواردات الغذائية.
وقال النحاس في حديثه لموقع الحرة: “كل الكلام الذي كنا نسمعه من الحكومة هو أن الأزمة الاقتصادية مجرد مسألة وقت وستنتهي في القريب العاجل. ثم اكتشفنا أخيراً أن هذه المدة الفورية للحكومة كانت ست سنوات”، معتبراً أن “هذه التصريحات للاستهلاك المحلي”.
المسار 2018
ويقول نافع، إن “الحكومة تحدثت منذ فترة عن العودة إلى مسار 2018، وإذا كان رئيس الوزراء يقصد ذلك فإن هذا المسار لم يكن الأفضل، فقد بدأنا بالفعل نشهد أزمات الدين الخارجي وارتفاع خدمته إلى مستويات غير مسبوقة”. النسب.”
ويرى نافع أنه كانت هناك حاجة لتعديل المسار الاقتصادي للبلاد قبل صدمة كورونا، “بحيث يقل اعتمادها على القروض والديون الخارجية، ويخفض الإنفاق الحكومي، ويزيد حصة الاستثمارات في الناتج المحلي الإجمالي إلى 30 أو 40 بالمئة”. بدلاً من 12%، وينخفض الاستهلاك الخاص”.
وأوضح أن “الاستهلاك الخاص الذي وصل الآن إلى 82 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، يتعرض لصدمات كبيرة نتيجة ارتفاع الأسعار، وبالتالي أصبح النمو الاقتصادي مهددا بشدة بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير”.
ويؤكد أنه “لا يمكن الحديث عن الأزمة الاقتصادية ككتلة واحدة، وهناك حاجة إلى تشخيص جيد للمشكلة بناء على طبيعة الأزمة التي يتناولها رئيس الوزراء”.
ويوضح نافع: «إذا تحدثنا عن أزمة العجز المزدوج الداخلي والخارجي، فإننا نحتاج إلى سنوات طويلة لأنها مسألة مزمنة. لكن إذا تحدثنا عن أزمة الدولار فهذا يحتاج إلى تدخل سريع ويمكن حله قريباً. وإذا تحدثنا عن تجريد الأصول الحكومية وإفساح المجال للقطاع الخاص، فإننا نحتاج إلى سنة إلى سنتين وفق رؤية وثيقة سياسة ملكية الدولة التي قدمتها الحكومة».
أقصر من ذلك
من جانبه، يرى النحاس أن مصر تستطيع حل مشاكلها الاقتصادية في وقت أقصر من ذلك بكثير، حتى تخرج من الأزمة، «لكننا لن نخرج منها ولو بعد سنوات مع هذه الحكومة إذا استمرت في اللجوء إليها». إلى الحلول التقليدية مثل تعظيم الموارد السياحية أو الصناعية، أو قناة السويس، أو بيع الأصول. والسندات.”
ويقول: «نحن نعاني من سوء الإدارة، وبعض الأزمات مصطنعة. فكيف يمكن لنفس الحكومة التي خلقت الأزمة أن تحلها؟ أحياناً يقولون حرب في أوكرانيا، ومرة أخرى حرب في غزة، وأحياناً كورونا. غدا سيقولون السودان، وبعد غد سيقولون ليبيا، ثم في وقت آخر”. سيقولون أن السبب هو تغير المناخ ودرجة الحرارة. كل هذه الحجج لا فائدة منها في السياسات، وخاصة الاقتصادية منها”.
وتتزايد الضغوط على السيسي للتعامل مع العملة المبالغ في تقدير قيمتها، والتضخم شبه القياسي، والديون الأجنبية والمحلية الضخمة.
أظهرت بيانات نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، الأربعاء الماضي، أن معدل التضخم السنوي في المدن انخفض إلى 33.7 بالمئة في ديسمبر/كانون الأول من 34.6 بالمئة في نوفمبر/تشرين الثاني.
وعلى أساس شهري ارتفعت الأسعار 1.4 بالمئة في ديسمبر مقارنة مع 1.3 بالمئة في نوفمبر. وقفزت أسعار المواد الغذائية 2.1 بالمئة في ديسمبر من 0.2 بالمئة في نوفمبر لكنها ارتفعت 60.5 بالمئة مقارنة بالشهر نفسه من 2022.
ويؤكد النحاس أنه “من المفترض أن تكون لدينا خطة إصلاح اقتصادي مقرونة بالتوقعات بأسوأ الظروف حتى يتمكن من امتصاص الصدمات”.
ويشير إلى أن “رئيس الوزراء تحدث عن الأزمة الاقتصادية حيث افتتح برجا أيقونيا في عاصمة إدارية لا يعمل بعد بثلاثة مليارات دولار، وحكومته لا تملك ما يكفي لاستيراد شحنات السكر للمواطنين، ومن ثم فهو يقترض من أجل تشغيل البرج في النهاية.”
النحاس ينتقد تركيز الحكومة على مشاريع لا فائدة منها. «مصر ككل ليست العاصمة الإدارية حتى تفرغ الميزانية بسببها ونقترض ونحصل على موارد كثيرة».
وأضاف: “مواردنا وشركاتنا وموانئنا وفنادقنا التي تجلب لنا العملة الصعبة تباع. هذه هي الأزمة وليست الحرب في أوكرانيا أو غزة”.
ويرى مركز حلول السياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة، في تقرير أصدره اليوم الاثنين، أن “السياسات الحكومية في التعامل مع الأزمة تؤدي في أغلب الأحيان إلى تعقيدها وزيادة تأثيرها السلبي على حياة الأفراد”.
“يجب على الحكومة أن تتغير بالكامل.”
ويقول النحاس لموقع الحرة، إن “الحكومة اتخذت العديد من المبادرات، مثل بيع السيارات للمصريين في الخارج، والإعفاء من الجيش وغيرها، وتقليل الواردات. وكلها فشلت بل وأثرت سلباً على الاقتصاد. والدليل أن صادراتنا انخفضت، وتحويلات المصريين في الخارج انخفضت بنسبة 25%». كما أن جميع الشركات التي تمدنا بالدولار يتم إهمالها، مثل شركات الأسمدة”.
ويرى النحاس أن على الحكومة أن تتغير بشكل كامل، فهي «أصبحت لا تثق بالشعب وبرجال الأعمال، والأزمة تتفاقم مع مرور الوقت»، مشيراً إلى أنه عندما تحدثت الحكومة عن دراستها لتسنيد الأوراق المالية ذات العائدات الدولارية المستقبلية إلى بيعها على شكل سندات، خرج بنك GB. وأعلن مورجان استبعاده «السندات المصرية» من مؤشره للسندات الحكومية للأسواق الناشئة.
وقال جي بي مورجان، الأربعاء الماضي، في بيان له، إن “مصر تخضع لمراقبة المؤشر منذ سبتمبر 2023، على خلفية المشكلات المتعلقة بقابلية تحويل العملات الأجنبية الأساسية التي أبلغ عنها المستثمرون الذين يحالون إليها”.
ويؤكد النحاس أنه “يجب وضع سياسات حقيقية وواضحة، وعدم الحديث عن استراتيجية تم وضعها قبل ستة أشهر”، في إشارة إلى وثيقة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، على موقعها الإلكتروني بعنوان “أبرز التوجهات الإستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة (2024). -2030).
سياسات خاطئة متتالية
وأصدرت الحكومة نهاية ديسمبر 2023 قراراً باعتبار 7 سلع استراتيجية منتجات ممنوعة إخفاؤها أو الامتناع عن بيعها، ومن يخالف ذلك يواجه السجن والغرامة. وجاء هذا القرار بعد أن اتفقت الحكومة -قبل شهرين- مع التجار على تخفيض أسعار عدد من السلع بنسبة 15 إلى 25%، وهو ما لم يكن فعالا، بحسب مركز حلول السياسات البديلة.
ويضيف التقرير، أن “هذه القرارات جاءت بعد أزمات متتالية في إمدادات عدد من السلع الاستراتيجية، مثل الأرز والبصل والسكر، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق”.
يقول نافع: «صحيح أن الأزمات كانت حادة، لكنها لم تكن مفاجئة وكشفت عن عدم جاهزية في كثير من الملفات».
ويضيف: “على سبيل المثال، عندما واجهنا أزمة طاقة، لم نتفاجأ بها، لأنه كانت لدينا مشكلة في تخطيط الطاقة، وكان ينبغي على المجلس الأعلى للطاقة أن يعالجها قبل أن تكون لدينا مشكلة في توفير العملة الصعبة و تضخمت.”
ويشير نافع أيضاً إلى أن إغلاق معمل سكر أبو قرقاص بعد مرور أكثر من قرن ونصف على افتتاحه، في ظل أزمة السكر وارتفاع سعره، يكشف عن وجود مشكلة عميقة.
وقال: «نحن ندرس الأزمة منذ عامين، وأنا من الخبراء الذين طرحوا حلولاً جيدة لها، ولم نكن لنصل إلى ما نحن فيه الآن لو تم اعتمادها ومنها الزراعة بالشتلات». والري بالتنقيط وتحسين الإنتاجية وخفض التكاليف”، مشيراً إلى أن “الأمثلة لا تعد ولا تحصى”. “.
ويؤكد أن حديث الحكومة عن «العودة إلى مسار 2018، إذا تم تأجيله إلى السنوات الست المقبلة، فهذا في الواقع يحتاج إلى إعادة نظر»، مشيراً إلى أن «الظروف الحالية تتطلب مقاربات وسياسات أخرى مختلفة تماماً».