الجمعة, يوليو 5, 2024
الرئيسيةأخبار مصر"الملء النهائي" لسد النهضة.. ماذا تريد إثيوبيا؟ ولماذا لم تستأنف المفاوضات؟

“الملء النهائي” لسد النهضة.. ماذا تريد إثيوبيا؟ ولماذا لم تستأنف المفاوضات؟

عادت قضية سد النهضة الإثيوبي إلى الواجهة في مصر، حيث أفادت وسائل إعلام محلية أن إثيوبيا تنوي البدء في ملء جديد للسد خلال الأسابيع المقبلة، مع بدء موسم الفيضانات، بعد أكثر من 6 أشهر من فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم.

في العام الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن اكتمال عملية ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير الرابع “النهائي”، والذي بدأت أديس أبابا في بنائه قبل أكثر من عقد من الزمان على النيل الأزرق.

لكن خبراء مصريين، ومن بينهم أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، يقولون إن من المرجح أن تقوم أديس أبابا بملء جديد لسد النهضة خلال الأسابيع المقبلة، بعد الانتهاء من أعمال التعلية النهائية للقسم الأوسط من السد، وأن هذه الملء قد لا تكون الأخيرة.

وأضاف في اتصال هاتفي مع الحرة، أن “إثيوبيا استكملت بناء السد بنسبة 100%، وتسعى للوصول إلى الطاقة القصوى من المياه المخزنة، حيث تبقى لديها 23 مليار متر مكعب من المياه، ستخزنها خلال موسم الفيضانات الحالي، بهدف تشغيل توربينات توليد الكهرباء التي تسعى إلى تركيبها”.

وأضاف: “إثيوبيا لا تزال تعمل على تركيب 5 توربينات إضافية في سد النهضة، وتأمل الانتهاء من تركيبها نهاية العام الجاري وتشغيل أكبر عدد ممكن منها، وبذلك يكون هناك 6 توربينات أخرى من المتوقع تركيبها خلال العام أو العامين المقبلين، من أصل 13 توربينة يضمها السد”.

لكن شراكي يقول: «إذا لم يتم تركيب التوربينات وتشغيلها فإن تخزين المياه سيشكل ضغطا على السد، وبالتالي فإن قرار التخزين الجديد لم يتخذ بعد، ويعتمد على قدرة إثيوبيا على تركيب التوربينات وتشغيلها».

“انتهت مسارات التفاوض” مصر تحدد موقفها من سد النهضة

أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية، اليوم الثلاثاء، انتهاء الاجتماع الرابع والأخير لمفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا بأديس أبابا، والذي انطلق سابقا في إطار اتفاق الدول الثلاث على الإسراع في إعداد اتفاق قواعد ملء وتشغيل السد خلال 4 أشهر.

الخسائر المحتملة

وترى مصر والسودان في السد الذي تبلغ تكلفته 4.2 مليار دولار، والذي بدأت إثيوبيا في بنائه في عام 2011، تهديدا لإمدادات المياه لديهما، وطلبتا مرارا وتكرارا من أديس أبابا التوقف عن ملئه حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية تشغيله.

في المقابل، يقع السد في قلب خطط إثيوبيا التنموية، التي تعتبر الكهرباء المنتجة منه دعماً لتنمية البلاد، وأعلنت لأول مرة في فبراير/شباط 2022 أنها بدأت في توليد الكهرباء منه.

ويأتي قلق مصر من أن السد يشكل تهديدا وجوديا، إذ تعتمد على نهر النيل في 97% من احتياجاتها المائية، بحسب شراقي، الذي يقول إن بلاده “ستتأثر بالجولة الأخيرة من الملء القادم من السد الإثيوبي”.

وأضاف: “مصر تتكبد خسائر اقتصادية ومائية في كل عملية ملء، فعلى سبيل المثال، كل مليار متر مكعب من المياه يتم تخزينها يكلف الاقتصاد المصري خسائر غير مباشرة تقدر بنحو مليار دولار”.

ويتابع: “حصة مصر من مياه النيل تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وتغطي نحو 50% من احتياجات المواطنين، حيث يحصل الفرد على نحو 500 متر مكعب سنويا بينما يحتاج إلى 1000 متر مكعب، وهو ما يعني أن هناك فقرا مائيا في البلاد”.

وتتخذ مصر عدة إجراءات لتعويض النقص في حصة كل مواطن من المياه ورفع متوسط ​​حصة الفرد إلى 800 متر مكعب سنويا، بحسب شراقي، منها “إعادة استخدام وتحسين نظم الري، واستيراد المحاصيل الجاهزة من الخارج، وهو ما يعتبر استيرادا غير مباشر للمياه”.

ويضيف أستاذ الموارد المائية أن هناك عجزا قدره 200 متر مكعب، مشيرا إلى أن “هذا العجز يتطلب استثمارات كبيرة في محطات معالجة مياه الصرف الزراعي، واستبدال بعض الزراعات مثل قصب السكر بمحاصيل تحتاج إلى مياه أقل وتعطي نفس إنتاج السكر”.

وتقدر الأمم المتحدة أن “مصر قد تعاني من ندرة المياه بحلول عام 2025″، وأن مناطق السودان التي تشهد حربا منذ أكثر من عام، حيث كان الصراع في دارفور قبل عقدين من الزمن مرتبطا في المقام الأول بإمدادات المياه، أصبحت أكثر عرضة للجفاف بسبب تغير المناخ، بحسب وكالة فرانس برس.

على مدى السنوات الخمسين الماضية، انخفض منسوب مياه النيل من 3000 متر مكعب في الثانية إلى 2830 مترا مكعبا، أي أقل بـ 100 مرة من منسوب نهر الأمازون.

ومع تراجع هطول الأمطار وتزايد الجفاف في شرق أفريقيا، قد ينخفض ​​منسوب المياه بنسبة 70%، بحسب أكثر توقعات الأمم المتحدة تشاؤما، حسبما ذكرت وكالة فرانس برس.

وقال شراقي إن “مصر تفقد حاليا 23 مليار متر مكعب خلال الصيف وأثناء ملء السد الإثيوبي، ويتم تعويض هذه الكمية من خلال استغلال مخزون السد العالي من الأعوام السابقة”.

وفي السنوات السابقة تم رفع منسوب سد النهضة تدريجيا وتخزين كميات محدودة من المياه، لكن هذا العام قد يختلف الوضع، بحسب شراقي، الذي يقول إن إثيوبيا “تستطيع تخزين كامل الكمية المطلوبة هذا العام وهي 23 مليار متر مكعب، وهو ما سيكون له تداعيات كبيرة”.

وأضاف: “الأضرار الاجتماعية والبيئية تشمل السودان وإثيوبيا أيضا، وليس مصر فقط، وخاصة السودان الذي يعاني من نقص حاد في المياه بسبب عدم وجود احتياطيات كافية مثل مصر لتعويض النقص، وبالتالي فإن المعاناة ستكون أكبر في الأشهر المقبلة”.

وأضاف: “القرار الآن بيد إثيوبيا، وربما تغتنم الفرصة لاستكمال التخزين الكامل في ظل تعثر المفاوضات”.

بعد «انتهاء عملية التفاوض».. ما هي السيناريوهات المحتملة لأزمة سد النهضة؟

أثار التصريح المصري حول انتهاء “عملية التفاوض” بشأن سد النهضة وتحفظ مصر على الدفاع عن مياهها وأمنها القومي في حال المساس به، والذي قابله بيان إثيوبي يتهم القاهرة بـ”التحريف”، تساؤلات حول السيناريوهات المتوقعة بشأن الأزمة، وهو ما أوضحه متخصصون لموقع “الحرة”.

فشل المفاوضات

وتتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا منذ عام 2011 للوصول إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، لكن جولات طويلة من المفاوضات بين الدول الثلاث لم تسفر حتى الآن عن اتفاق، آخرها كان قبل أكثر من 6 أشهر.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، انتهت جولة جديدة من المفاوضات بشأن السد في أديس أبابا، دون تحقيق أي تقدم يذكر. وكانت المفاوضات انطلقت في إطار اتفاق الدول الثلاث على تسريع إعداد اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد خلال 4 أشهر.

وتبادلت إثيوبيا ومصر الاتهامات بتخريب المفاوضات الثلاثية، حيث قالت القاهرة إن الجولة الرابعة من المفاوضات لم تسفر عن أي نتائج بسبب “استمرار نفس المواقف الإثيوبية على مدى السنوات الماضية، والرافضة لأي من التنازلات الفنية والقانونية التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث”.

وردت إثيوبيا في بيان صادر عن وزارة الخارجية، قائلة إنها “بذلت جهودا وتعاونت بشكل نشط مع دولتي المصب لحل نقاط الخلاف الرئيسية والتوصل إلى اتفاق ودي”، متهمة مصر بـ”تبني عقلية استعمارية ووضع العراقيل في طريق جهود التقارب”.

ويرى المحلل السياسي المصري فادي عيد أن إثيوبيا “اتبعت خلال السنوات الماضية سياسة التهرب من المفاوضات التي لم تسفر عن أي حل”.

وقال لـ”الحرة”: “المفاوضات لم تسفر إلا عن مراوغة وتلاعب من الجانب الإثيوبي مع مصر، التي اتبعت كل الطرق الدبلوماسية الممكنة لحل هذه الأزمة، ولم تتردد في تبني أي مبادرة أو الانخراط في أي مسار للوصول إلى الحل”.

وتابع: “لقد نجحت إثيوبيا في سياسة المماطلة بما يكفي لفرض الأمر الواقع على مصر”.

بدوره، يحمل المحلل السياسي الإثيوبي أنور إبراهيم أحمد مصر مسؤولية فشل المفاوضات، ويقول في اتصال هاتفي مع قناة الحرة إن بلاده “لا تتهرب، بل إن المطالب المصرية المتجددة والمتغيرة بين الحين والآخر أدت إلى إطالة أمد المفاوضات وجعلها تبدو وكأنها محاولة لتعطيل بناء السد”.

وأضاف: «منذ عام 2012 وحتى الآن كانت المطالب المصرية متنوعة ومتغيرة، وهذا جعل إثيوبيا ترى أن مصر تحاول عرقلة تقدم المشروع، حيث كانت هناك وجهة نظر إثيوبية بأن مصر تحاول عرقلة بناء السد، لكن إثيوبيا لم توقف البناء».

وتقترب إثيوبيا الآن من الانتهاء من بناء السد، وهذا أصبح ملموسا، بحسب المحلل الإثيوبي، الذي يقول إن “الخلافات بين الدول الثلاث تتركز الآن على كمية المياه وطريقة التخزين وإدارة السد، وهذه الخلافات هي نتيجة لتغيرات في الموقف المصري”.

وتطالب مصر بـ”اتفاق نهائي ملزم” بشأن ملء وتشغيل السد، وكذلك حصص المياه لكل دولة، وهو ما ترفضه إثيوبيا، ولا تعترف باتفاقية 1959 بين القاهرة والخرطوم، والتي لا تعد أديس أبابا طرفا فيها، والتي بموجبها تحصل مصر على 66% من مياه النيل سنويا والسودان على 22%.

مصر تدخل الأزمة “الصومالية الإثيوبية”.. وتوقعات بالخطوة المقبلة

تعكس تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري الأخيرة بشأن إثيوبيا عمق الخلافات بين البلدين حول المياه والأمن الإقليمي، وتثير تساؤلات جديدة حول كيفية إدارة القاهرة لعلاقتها مع أديس أبابا.

إحياء المفاوضات

وتتباين آراء الخبراء حول إمكانية إحياء المفاوضات في القريب العاجل، حيث يأمل شراقي أن تعود بلاده إلى المفاوضات من جديد، قائلا خلال حديثه: “يجب على مصر أن تسعى لاستئنافها، لأننا الضحية الرئيسية لهذا الوضع”.

وأضاف: “من المهم أن تبادر مصر إلى المطالبة باستئناف المفاوضات، حتى لو لم تكن إثيوبيا مهتمة، والسودان يعاني من انقسامات داخلية بسبب الحرب، إذ إن تأخير استئناف المفاوضات يضر مصر أكثر، وقد يشعر المواطن المصري بالإحباط من الملء الأحادي الذي فرضته أديس أبابا”.

في المقابل، يرى عيد أن “أي مفاوضات قد تعود إليها مصر الآن ستكون عديمة الفائدة، وستمثل فشلاً للإدارة الحالية”.

وأضاف: “ما حدث من الجانب الإثيوبي هو اعتداء واضح وسافر على حقوق مصر في مياه النيل، فأي مفاوضات ستنجح بعد هذا العدوان الذي يهدد بإبادة أمة بأكملها؟”.

من جانبه، يرى المحلل السياسي الإثيوبي أنه “لا بديل عن المفاوضات بين الدول الثلاث، إذ لا يوجد خلاف يستمر مدى الحياة”.

وقال أحمد إنه “على الرغم من كل هذه التحديات، يجب أن تستمر المفاوضات”، مضيفا أن “العلاقات بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) تمتد عبر التاريخ وهي ضرورية لمواجهة التحديات المشتركة؛ ليس فقط تحدي بناء السد، ولكن كيف يمكن للدول الثلاث الاستفادة من التعاون المشترك لصالح شعوبها”.

وأضاف: “فشل المفاوضات السابقة كان بسبب أزمة الثقة بين مصر وإثيوبيا من جهة، ومن جهة أخرى تغيرت مواقف السودان الداعمة لكل دولة من وقت لآخر، لذلك اتسمت المفاوضات بحالة من التذبذب”.

ويختتم المحلل الإثيوبي حديثه بالقول: “لكن رغم الفشل المتكرر، فمن الضروري أن تعود الأطراف الثلاثة إلى طاولة المفاوضات بروح جديدة مبنية على الثقة المتبادلة وحسن النية والرغبة في التعاون”.

تغير المناخ يدق طبول “حروب المياه” بين دول الشرق الأوسط

في عام 1992، أعلنت الأمم المتحدة يوم 22 مارس يومًا عالميًا للمياه، بهدف زيادة الوعي بالقضايا المتعلقة بالمياه. ويتم تنظيم الاحتفالات لتسليط الضوء على أهمية المياه وإلهام العمل لمعالجة أزمة المياه العالمية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات