الخميس, ديسمبر 26, 2024
الرئيسيةأخبار مصرالرواية في مصر... إمبراطورية الفوضى والتفاهة والمال الأسود | آراء

الرواية في مصر… إمبراطورية الفوضى والتفاهة والمال الأسود | آراء

|

وفي الوقت الذي كانت فيه جامعة القاهرة تحافظ على ما تبقى من هيبتها الأكاديمية، كان قسم اللغة العربية بكلية الآداب يضم أساتذة مارسوا النقد التطبيقي، وطبعوا ونشروا كتبا تتضمن رؤاهم المهمة.

ومنهم الدكتور سيد حامد النساج، صاحب دراسة مهمة عن القصة القصيرة في مصر في الستينات، وهذه الدراسة صدرت عن دار المعارف منذ سنوات. وكان الدكتور شكري عياد يكتب النقد بين الحين والآخر على صفحات مجلة الهلال.

قوى الشر

انتهى هذا العصر ومات الأكاديميون المحترمون، وأصبح «سوق الرواية والقصة» في مصر مباحًا للعامة والديماجوجيين، وتباحه قوى الشر التي لا تخدم الأدب ولا ثقافة المجتمع، بل تطمع في العضوية فيه. الكيانات التي توحد الكتّاب بمختلف أطيافهم، مثل: «اتحاد الكتاب»، و«نادي القصة». “.

ومن غير الأكاديميين الذين كتبوا النقد الأدبي واستفاد من المبدعين الراحلين “فاروق عبد القادر” و”يحيى حقي” و”رجاء النقاش”، وعرف المبدعون قيمة هؤلاء العظماء، وتعلموا مما كتبوا في الصحف.

ابتداءً من التسعينيات، تغير مشهد الرواية والقصة القصيرة في مصر. تعثرت مجلات وزارة الثقافة، وبدأت تصدر بشكل ربع سنوي بعد أن كانت تصدر بانتظام شهريا. وصدرت تعليمات «العولمة الثقافية الأميركية»، وضخت المخابرات الأميركية «من خلال الجامعة الأميركية في القاهرة» حشوداً من الشباب. “الاستشراق” لدراسة اللغة العربية.

ونشط قسم الترجمة والنشر في الجامعة المذكورة، وأنشأت الجامعة جائزة باسم الكاتب الرائد نجيب محفوظ، للسيطرة على «سوق الرواية» وجعل الشباب يطمح إلى «الأممية المتخيلة». “أكتب وفق المتطلب الأمريكي، وبالتالي احصل على لقب “كاتب عالمي”. أي أنه كاتب تُرجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها.

أعمال أدبية بائسة

ومع أن هذه «الترجمات» لا تخرج خارج «سور الجامعة»، وإذا خرجت، فإنها لا تتجاوز حدود «العينة العشوائية» التي يحتاجها الباحثون لاختبار فرضياتهم العلمية، ولا تعرض على جميع القراء في نيويورك أو برلين أو باريس، باستثناء الكتاب الذين يطمحون إلى «العالمية المتخيلة». لقد ابتلعوا الطعم واعتقدوا أنهم عالميون، وأن القارئ الغربي يعرفهم ويقرأ أعمالهم البائسة!

لقد حل الدمار الأمريكي بالرواية المصرية العريقة، التي أرسى أسسها نجيب محفوظ وجيله من الرواد. تحول من عمل إبداعي يهدف إلى التوعية بحركة المجتمع، ومحاولة فهم أسراره ودراسة شخصياته وشرائحه الاجتماعية، إلى عمل يهتم بالجسد الأنثوي «المضطهد»!

وهذه مصيبة أطلقوا عليها اسم “كتابة الجسد”. ونشرت مئات الروايات والقصص التي تحتوي على حكايات علاقات جنسية غير طبيعية و”ختان” قتل “الأنوثة” لدى فتيات الريف. وهذا الموضوع وجد النقاد يكتبون وينظرون إليه ويعتبرونه “ثورة” في العالم. الأدب، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. بل تنافس الذكور في كتابة القصص التي تحكي عن تعرضهم للتحرش والاغتصاب في حقول القصب والصحاري المصرية.

كتابة الأقليات

وجدت هذه الأنواع من القصص آذانًا صاغية، “كل الآذان الفرنسية والأمريكية”، ووجدت الدفء النقدي. “لقد ضخت فرنسا، وكذلك ألمانيا، مبالغ هائلة لدعم “كتابة الأقليات”، والتي تعني الكتابة عن “الأقباط” و”النوبيين” و”العرب”، وهي الأقليات لها ثقافاتها الخاصة، ولكن في ضوء ذلك العولمة الأمريكية الأوروبية، تحولت إلى موضوع استثمار ثقافي.

والكتاب الذين كتبوا عن واقع هذه الأقليات تحولوا إلى «خبراء أدبيين»، يفصلون الروايات والقصص وفق منهج «المترجم الغربي». انحسرت هذه الموجة مع مطلع الألفية، إثر الغزو الأميركي للعراق، وتراجع مفكرون «استخباراتيون» من نوع «فوكوياما» عن مقولات «نهاية العالم». التاريخ وسيطرة السيد الأمريكي الأبدية على العالم، وفرق “المقاومة المناهضة للعولمة” تنظم نفسها، في دول أوروبية مثل: “السويد” و”بريطانيا” وداخل أمريكا نفسها، ونجاحها في المواجهة هذا “الخطاب الهمجي” المغلف بعبارات عن “الحرية”. الجسد وحرية الأقليات..”، مفضحاً جوهره الاستعماري المعادي للبيئة والحياة والإنسانية.

المال الاسود

لكن “مصر” كانت تواجه “المال الأسود”، وهي الأموال الناتجة عن التجارة في الآثار المصرية القديمة، وهي تجارة “مليونية ومليارات الدولارات” تمارسها جماعات منظمة، ومن تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة غير المشروعة. الأنشطة، وتم العثور على هذه الأموال غير المشروعة في نشر الكتب. “غسل الأموال” كوسيلة لاكتساب الشرعية. اختار عدداً من الأشخاص شبه المتعلمين وجعلهم يديرون «شركات نشر» متخصصة في نشر «الهراء» وكل ما لا علاقة له بالأدب، منذ أن نشر فلوبير وبلزاك وتولستوي ودوستويفسكي أعمالهم. الأول!

تشكلت «مجموعات القناصة» – المكونة من نصف المبدعين «بقايا العولمة الثقافية الأميركية» ونصف الأكاديميين «حاملي شهادات الدكتوراه التي حصلوا عليها بشق الأنفس» – واتحدت مع أصحاب «المال الأسود» ودور النشر الراسخة وسيطرت على الدولة. لجان الجوائز “عبر شبكات الفساد في وزارة الثقافة”. ونشرت هذه المجموعات حالة من السيولة والفوضى وانعدام القيمة والمعنى، وأغرقت السوق المصرية بكتب ضخمة الحجم وتافهة المحتوى، ومنحت جوائز لأصحاب هذه الكتب. وهو ما جعل العديد من الكتاب الناشئين يتقبلون هذا النوع من الكتابة، لضمان الفوز بالجوائز المالية التي تمثل طوق النجاة من قبضة الأزمة المالية المدمرة التي تعصف بالطبقة المتوسطة المصرية منذ سنوات.

خليط سحري

على صعيد آخر، انهارت دور النشر الحكومية التي كانت تنشر أعمال الرواد ومن بعدهم «جيل الستينات»، مثل «دار الهلال» التي كان لها مسلسلها الشهير: «الـ«. “روايات هلال”، والتي قدمت أعمالاً عربية مهمة مترجمة من اللغات الأوروبية، وتم توزيعها في جميع العواصم. العربية، ودار المعارف التي نشرت روايات توفيق الحكيم وطه حسين، ومكتبة مصر التي كان يملكها سعيد جودة السحار، ونشرت أعمال نجيب محفوظ.

تحول المشهد الروائي المصري إلى «الفوضى والتفاهة»، وظهرت فئة من الكاتبات والكاتبات، تدعي تقديم «التاريخ» برؤية روائية. يجمع هذا النوع بين البؤس والسرقة والتفاهة في «خليط سحري» يقبل عليه المراهقون والقراء المبتدئون الذين يبحثون عن «متعة الإنجاز»، والذين يريدون قراءة أعداد كبيرة من الكتب؛ ليشعروا أنهم أصبحوا متعلمين، يقرؤون الروايات ويشربون القهوة ويسمعون “فيروز” وينطقون الحكمة على “الفيسبوك”!

وهذا ما حدث في الساحة الروائية المصرية، وهذا يعني أن كل من نقرأ عنهم والذين يصفهم الناس بـ”الروائي الكبير” والذين يفوزون بـ”جوائز” محلية وعربية وأمريكية – “معولمون بالطبع، ويخضعون لـ”الروائي الكبير””. “أجندة المخابرات الأمريكية” – تختلف عن الروائيين الذين يكرسون أنفسهم لفن الرواية.

وقيمة الأدب الإنساني تكمن في أنه يهتم بدراسة المجتمع وفهمه بطريقة تهدف إلى تحقيق التقدم. ومن المهم الإشارة هنا إلى كتاب ترجمه المترجم المصري الراحل “طلعت الشايب” وصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بعنوان: “من يدفع المزمار” وفيه تاريخ بداية العام وذكر تشكيل قسم الكتاب. والفنانون في المخابرات الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية، وتشكيل مؤسسات منها “نادي القلم الدولي”؛ بقصد توظيف هؤلاء في الحرب الباردة، وحرب الأفكار والأيديولوجية.

ولا يزال هذا القسم يعمل بجد ونشاط، ويمارس دوره في استقطاب كتاب وفناني العالم الثالث الذين يتوقون إلى لقب “أممي”، ويطمحون إلى قضاء أسابيع سعيدة في ضيافة هيئة ثقافية أمريكية أو أوروبية ونشر مقالات عنهم. لهم في “واشنطن بوست” وغيرها من الصحف الكبرى في أمريكا وأوروبا.

ومن المهم أيضًا أن نقول؛ ستنهار «إمبراطورية التفاهة»، بسبب «محور المقاومة» في العالم العربي، وستختفي عصابات «العولمة الثقافية»، وسيختفي أدباء العولمة وينساهم الناس في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات