ظلت القاهرة لمدة 1050 عامًا عاصمة لحكومة مصر. وتحديداً في عام 969م، قرر القائد الفاطمي جوهر الصقيلي بناء مدينة لتكون عاصمة الحكم ومقاليده، شمال مدينة الفسطاط. بناه في ثلاث سنوات وسماه “المنصورية”.
ثم جاء الخليفة الفاطمي المعز لدين الله سنة 972م، وجعلها عاصمة لدولته، وسماها القاهرة، حيث أقام في نفس القصر الذي بناه جوهر. وفي اليوم الثاني خرج لاستقبال المهنئين به، وأصبحت القاهرة من ذلك الوقت مقراً للخلافة الفاطمية، وانقطعت تبعيتها للخلافة العباسية، وكانت مساحتها في ذلك الوقت حوالي 340 فدان.
ومنذ ذلك الوقت، اتخذت الوزارات والجهات الحكومية من القصور والمباني التاريخية ذات الطراز المعماري المميز – وأحيانًا ذات الطابع الأثري الذي تمتلئ به القاهرة – مقرًا لها.
“الإهمال في القاهرة”
قبل تسع سنوات، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي البدء في إنشاء عاصمة إدارية جديدة على مساحة 220 ألف فدان شرق القاهرة. ورأى البعض أنها بديل للعاصمة التاريخية. وأثار الأمر انتقادات واسعة النطاق، حيث اعتبره البعض عبئا اقتصاديا إضافيا على البلد الذي يمر بأزمة. وأهمل مدينة القاهرة التي لها ثقل تاريخي، لكن السيسي أكد في مناسبات عديدة أن العاصمة الجديدة لم تكلف موازنة الدولة شيئا، وأنها استثمارات اجتذبتها الحكومة لتحويل الصحراء إلى مكان ذي قيمة.
وسبق أن أكد السيسي أنه سيتم استغلال المباني الحكومية التي سيتم التخلي عنها في العاصمة القديمة لتحقيق دخل يقدر بمليارات الجنيهات سنويا.
وخلال العام الماضي، انتقلت بالفعل العديد من الوزارات والجهات الحكومية إلى المقرات المخصصة لها في العاصمة الجديدة، لكن لم يصدر أي إعلان رسمي حتى هذه اللحظة عن نقل مقر الحكومة، وهو القصر الرئاسي، إلى هناك.
إشارة التحرك إلى العاصمة الجديدة
وفي عام 2014 أدى السيسي اليمين لولايته الأولى أمام المحكمة الدستورية العليا لعدم وجود برلمان، وفي 2018 أدى اليمين لولايته الثانية أمام مجلس النواب في المقر التاريخي للبرلمان المصري بالقصر. شارع العيني بوسط القاهرة.
واعتبر البعض اختيار السيسي أن يبدأ ولايته الثالثة والأخيرة بأداء اليمين الدستورية، الثلاثاء، في مقر مجلس النواب بالعاصمة الجديدة، رمزية مهمة. وهو ما فتح النقاش من جديد حول نقل مقاليد الحكم هناك والاستغناء عن العاصمة القديمة.
وبعد أداء اليمين الدستورية، زار السيسي النصب التذكاري الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة، ووضع إكليلا من الزهور هناك، وأعطى إشارة رفع علم البلاد على ما تقول مصر إنه أطول “سارية علم” في العالم، من نصب الشعب. مربع.
وشجع هذا الجدل التصريحات الإعلامية التي أدلى بها خالد عباس، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، بأن “أداء السيسي للقسم الدستوري يمثل افتتاح المرحلة الأولى للعاصمة الجديدة، وأننا ابتداء من اليوم سنشهد العديد من الأحداث الرسمية”. سواء كانت رئاسية أو حكومية، ويدير مقاليد حكم البلاد من هناك”.
لكن عباس لم يعلن عن قرار رسمي بنقل مقاليد الحكم بشكل كامل إلى العاصمة الجديدة والاستغناء عن العاصمة القديمة.
ووفقا لما رصدته بي بي سي عربي، عقد السيسي خلال الأشهر الماضية اجتماعات مع حكومته ومسؤولين محليين في القصر الرئاسي الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، لكن حفلات الاستقبال للزعماء الأجانب في مصر لا تزال تقام في قصر الاتحادية التاريخي. القصر، شرق القاهرة، حيث المقر الرسمي للحكومة حتى الآن.
وهناك مقرات حكومية أخرى في القاهرة تقام فيها حفلات الاستقبال والمراسم للزعماء الأجانب أيضا، مثل قصر القبة في حي حدائق القبة التاريخي، وكذلك قصر عابدين في حي عابدين وسط القاهرة. كما أنشأ السيسي قصرا رئاسيا ضخما في مدينة العلمين على الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات الواسعة الصيف الماضي. وأظهرت الصور، عندما نشرت، تحضيرات سخية، رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
“القرار لم يتخذ بعد.”
من جانبه، قال الصحفي وعضو البرلمان المصري، مصطفى بكري، لبي بي سي نيوز عربي: “تقام العديد من الفعاليات الرئاسية والحكومية في العاصمة الإدارية الجديدة، وهذا بالطبع سيزداد بعد أداء الرئيس اليمين الدستورية هناك، لكن لم يتم اتخاذ أي قرار رسمي بنقل مقاليد الحكومة بشكل كامل”. هناك، لم يتم تحديد موعد لذلك”.
وأضاف بكري، أن “الحكومة ستجتمع الأربعاء وسيكون أمامها أحد خيارين: إما تقديم استقالتها إلى رئيس الجمهورية الذي سيفعل المادة 146 من الدستور وتكليف رئيس وزراء جديد، أو إجراء تعديل وزاري”. وهنا لن تكون هناك حاجة لتغيير رئيس الوزراء، بل تفعيل المادة 147 من الدستور بعرض التعديل على مجلس النواب لإقراره.
من جانبه، قال الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لبي بي سي نيوز عربي، “لأن الدستور ينص على أن القاهرة هي عاصمة مصر، سُميت العاصمة الجديدة بالعاصمة الإدارية، وكان هناك ولا يوجد نقاش أو تشاور شعبي بشأنها، سواء مع النواب في مجلسي النواب والشيوخ، ولا مع خبراء التخطيط الحضري”.
وأكد أن طبيعة العاصمة الجديدة لا علاقة لها بمصر، حيث أن “مبانيها مستوحاة من دول الخليج والولايات المتحدة ولا تعكس تراث مصر الثقافي والحضاري، كما أنها سبب في ضخامة الدولة”. مديونية.”
وشدد السيد على أن “فكرة العاصمة الجديدة ليست جديدة ولا تخضع للاعتراض، ولكن هناك خلاف حول موقعها وما هو شكل مبانيها؟”.
وختم بالقول إنه بحسب فهمه فإن “العاصمة الإدارية الجديدة لن تكون عاصمة سياسية، بل ستكون فقط عاصمة اتخاذ القرار”. وسيواصل الرئيس السيسي أداء مهامه من قصر الاتحادية، والانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة سيستغرق بعض الوقت.